بقلم جهاد الباز
سبعة أشهر وأكثر مضت منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لم يتوقف خلالها نزيف الدم الفلسطيني ولو للحظة واحدة حتى أصبح الأمر شبه اعتيادي على الشاشات.
كما لم تتوقف الجولات المكوكية من المفاوضات الرسمية وغير الرسمية في محاولات وقف الحرب لكن الفشل هو سيد الموقف وملف الأسرى هو العقبة المستمرة في طريق تحقيق أي تقدم ملحوظ على مستوى الصفقة.
فالجانب الإسرائيلي مصمم على موقفه وحماس أيضاً دون أية مراعاة لارتفاع أعداد الشهداء والمصابين والمشردين في كل لحظة يتأخر فيها إعلان وقف إطلاق النار.
لكن.. ما هو موقف الأسرى الفلسطينيين الذين ترتبط حريتهم الآن بدماء أهلنا في قطاع غزة، الذين عاشوا حالة من التهميش والإقصاء على كافة المستويات خلال السنوات الماضية، والآن هم مطالبون بأن يجدوا حلولاً لكافة المشاكل والأزمات التي تعاني منها القضية الفلسطينية حتى وإن كانت تلك الحلول على حساب دماء أطفالهم وحجارة منازلهم التي أضحت تلالاً من الركام.
إن الأسرى الفلسطينيين تاج فوق رؤوسنا نطمح جميعاً لحريتهم لكني في الوقت نفسه أشعر بالحسد تجاههم وهذا الحسد يتمثل في امتلاكهم لحرية الاختيار. فالأسرى داخل السجون الإسرائيلية يعرفون على الأقل الأسباب التي زجت بهم في السجون وهذا نابع من اختيارهم للطريق الذي يتمثل بالنضال ضد الاحتلال .
ومن وجهة نظري الخاصة فإن الأسرى داخل السجون أكثر حرية من إنسان عاش ومات دون أن يختار طريقه أو يقرر مصيره، فالأسير الحقيقي هو الإنسان الذي عاش دون قدرة على التغيير ومات دون معرفة سبب منطقي واحد لموته.
خاصة إذا تأملنا نموذجاً قريباً من أعيننا وهو أحد الأسباب الرئيسية لهذه الحرب، فقد رأيناه في السابق أسيراً في السجون الإسرائيلية يتلقى الرعاية الصحية حتى ولو بأدنى مقوماتها ويخضع لعملية جراحية ويحصل على حقه في الدواء ويكمل مسيرته التعليمية ويصدر كتاباً من تأليفه.
وفي الوقت نفسه رأينا آلاف المناشدات من المصابين في قطاع غزة يطالبون فقط بحقهم في العلاج والدواء دون أي استجابة من أحد، كما رأينا عشرات الآلاف من الطلاب يخسرون عاماً دراسياً دون أي شفقة أو رحمة من أحد.
وأنا هنا لا أقول أن الحياة داخل السجون الإسرائيلية وردية لكن مع استمرار هذه الحرب لساعة أخرى فإنني أستطيع القول أن الحياة في غزة فاقت حد السواد، فلا قبر يأوي رفات من رحلوا ولا علاج يمنح السكينة ويوقف الألم لمن أصيبوا ولا خيمة تلملم شتات من تشردوا ولا أي أمل يلوح في الأفق، وكل التفكير أصبح منصباً في اتجاه واحد.
الهجرة إلى أي مكان يمنح الأمل للأجيال الجديدة، فمنطق النجاة الفردية هو السائد حالياً بعيداً عن حروب بلا أسباب منطقية أو أهداف تلبي على الأقل طموح من بقي حياً بدلاً من العويل على من رحلوا بلا ثمن.
وبمجمل الحديث عن الثمن، فهل وافق الأسرى داخل السجون الإسرائيلية على أن تكون دماء أطفال غزة ثمناً لحريتهم؟ وهل حصلت حماس على موافقة الأسرى قبل خوض مغامرة السابع من أكتوبر؟ وهل ستكون حرية الأسرى فقط ثمناً لكل هذه الدماء؟. في الواقع أنا أشك في ذلك .
وليكن ما يكون فما وقر يقيناً في قلبي أن الحفاظ على دم طفل فلسطيني واحد أهم بالنسبة للأسرى من حريتهم، وبناء مدرسة أو معهد لتعليم الموسيقى أو دار للسينما لتوعية المجتمع وتثقيفه أهم بالنسبة للأسرى من رؤية سكان غزة بهذه الطريقة، وإن كنت ستحدثني عن قصص الصمود والصبر التي تنتشر لترضي غرورك المريض فيمكنني أن أخبرك عن مليوني قصة لم تصورها الكاميرات ولم تلتقطها عدسات المصورين.