كتب: السياسي
قال شوقي علام مفتي الجمهورية: “إن المولد النبوي الشريف يمثِّل أعظم إطلالة للرحمة الإلهية على الخلق أجمعين، فكانت رحمته صلى الله عليه وسلم دائرتها واسعة شملت العام والخاص والعدو والصديق والمحسن والمسيء على حد سواء، بل من ظنَّ انحصار رحمته صلى الله عليه وسلم في المسلمين خاصة فقد ضَيَّق واسعًا؛ لأن سعة رحمته كما كانت مع المسلمين، فقد كانت أيضًا في إقالة عثرات غير المسلمين والصفح عن جفائهم وغلظتهم، وذلك وصف مقرر ومعروف من خُلقه الكريم”.
جاء ذلك في الحوار الأسبوعي من حلقة برنامج “مع المفتي” المُذاع على “قناة الناس” الذي يقدِّمه الإعلامي شريف فؤاد، وأضاف فضيلته أن الاحتفال بهذه الذِّكرى العطرة يمدنا بمزيد منَ الأملِ والنور والبِشرِ لتَشُدَّ على أيدِينَا وسواعِدِنَا كي تَتَوحَّدَ كلمَتُنا وتَنطلقَ مساعِينَا نحوَ البناء والعمران؛ رغبة في استعادةِ الرُّوحِ المُحبَّةِ للحياةِ والمقبلةِ عليها.
واستعرض المفتي مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم وبشائر أنواره ويسر نشأته بدءًا من مولده ومرورًا برضاعته، وتربيته تربية ربانية وبعناية الله عز وجل، ثم نشأته في مرحلة الشباب ملتزمًا بمكارم الأخلاق والشجاعة والكرم والأمانة والصدق كما شهد له أهل مكة قبل بعثته الشريفة وكما وضح في مواقف شتى.
ولفت المفتي النظر إلى أن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم لـم تكن محدودة، بل كانت تشمل تربيةَ البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم وتقدمهم على صعيد حياتهم المادي والمعنوي، كما أنها لم تكن مقصورة على أهل ذلك الـزمان؛ بل امتدت على مدار التاريخ والأيام لتشمل العالمين.
وأوضح كيف تعامل صلى الله عليه وسلم مع من آذَوه وأخرجوه وظاهروا على إخراجه وإيذائه؟ فلم ينكِّل بأهل مكة عندما فتحها، فقط سألهم: «ما ترون أني فاعل بكم؟» فأجابوه: “خيرًا أخٌ كريمٌ وابن أخ كريم”، فقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء»، فهذا هو قمة العفو مع المقدرة، لم يعتب ولم يمنَّ عليهم بالعفو، بل عفا وسامح ودعا بالرحمة والمغفرة، ليكون مثالًا لمن يأتي بعده لأن أفعاله وأقواله أصبحت تشريعًا ودستورًا للمسلمين وغيرهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وأضاف مفتي الجمهورية أن رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ظهرت في كل أمور حياته، ولعل من أبرزها ما قاله عن أهل مكة الذين آذَوه وعذبوا أصحابه، ومع ذلك لم يدع عليهم، بل كان قارئًا للمستقبل ومستبصرًا النور القادم، فقال لسيدنا جبريل: “بل أرجو أن يُخرج اللهُ من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا”.
واختتم حواره بضرورة التأسي بأخلاقه والتحلي بها، ومنها رحمته صلى الله عليه وسلم، التي شملت أهله وأصحابه والأمة قاطبة، فقد كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأمته وخيرهم لأهله، فلم يسبق يومًا غضبُه رحمتَه، ولم يكن فاحشًا ولا متفحِّشًا، ولا صخَّابًا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.