رحلة الإنسان عبر التّاريخ هي رحلة فهمٍ وعقلنةٍ للظواهر الطّبيعية من حوله وفي داخله، بحيث أن ما كنّا نحسبهُ في الماضي غموضًا وخوارقًا وأرواحًا وسحرًا…صرنا اليوم نحيط به بأفهامنا ونخضعه لحسابنا وقياسنا، وقد حان الوقت كذلك لضمّ الأخلاقيّات إلى القائمة. غرائز تبلورت إلى مفاهيم، ومفاهيم تبلورت إلى قيمٍ سلوكية؛ فلا غيبيات ولا روحانيات ولا ميتافيزيقا بل معانٍ مجردةٍ مطلقةٍ موحىً بها من قوةٍ خارجيةٍ ثقافات دخيله علينا أعصاب تنهار عند أي خلاف بسيط ,كذب، نصب واحتيال، غش، رشوة، محسوبيات، واسطات، سرقة لمال الدولة، عدم الالتزام بالوعود، تهرب من المسؤوليات، نسمع شتائم وكلمات غير جديرة بالتعامل بين البشر.
كل هذه المظاهر السلوكية والأخلاقية وسواها الكثير من قبيلها، هي القاعدة، أما الالتزام بالأخلاق والوعود والحديث عن المال الحرام، وتحمل المسؤوليات، باتت استثناءات تجلب لأصحابها السخرية من غالبية الناس,إنّ الإنسان حين يمتنع عن السّرقة بدافعٍ من ضميرهِ، فهذا باتفاقِ الكلّ عملٌ أخلاقيّ، ولكن ماذا عن الإنسان الذي يمتنع عن السّرقة لعلمه أن شُرطيًا يراقبه؟ هل يمكن القول إن هذا الفعل منبعه أخلاقيّ؟! حتمًا لا، بل هو الخوف،المحبة، الصّدق، التّسامح، الألفة، التّعاون، الإيثار، العدل والنّظام هي قِيمٌ إيجابيةً أخلاقيًّا، لأنها تحقق مصالح الأغلبية وتساهم في بقاء المجتمع وازدهاره.
بينما الكراهية، الكذب، التّعصب، الفرقة، الانقسام، الأنانية، الظلم والفوضى هي سلبيةً أخلاقيًّا، لأنها تهدّد مصالح الأغلبية وتساهم في تقويض المجتمع وانهياره، فكلنا نرفض القتل والسّرقة والاعتداء على الممتلكات . الفهم الطّبيعي للأخلاق يجعلها أمرًا يمكن فهمه اجتماعيًا ونفسيًا وبيولوجيًا، بل وربما يمكن حسابه وقياسه، وحتمًا يمكن النّقاش حوله بشكلٍ عقلانيٍّ ومنطقي – بل وأقول علميًا: فالأخلاق كما فصّلنا لها نظريًا أساسٌ واضح مطلق يمكن للبشر مواجهة المشاحنات الأخلاقيّة عن طريق السّعي في موازنة المصالح ومحاولة تقريب وجهات النّظر والاجتهاد لتوسيع دائرة الأخلاقيّات .
نشر ثقافة السّلام والتّسامح القومي والعرقي والطّائفي بين المجتمعات المختلفة، والتّرويج للقيم الإنسانية العامة كالعدالة والحرية والتّكافل، مع اللجوء في حلّ المشاكل إلى المساومات المختلفة والعهود والمواثيق ومحاولة ضمان توازن القوى، علمًا بأن هذا لن يؤتي ثماره الكاملة بين يومٍ وليلة، بل هو كفاحٌ إنسانيٌّ مرهقٌ وطويلٌ وحتمي، تخوضه البشرية حاليًا.الكل يرتكب الخير والشر، ولا يوجد معتقدٌ – نكرّر– يجعلك ملاكًا أو شيطانًا.
فالإجرام وسوء الخُلق كان وسيظل جانبًا موجودًا في البشر على السّواء، وبديهيٌ أنّ كل جريمةٍ تستحق الإدانة على السّواء، ولكن، هنا يتجلى الفارق الكبير بين الأخلاق والفضيله والشر والرزيلة
بقلم : الباحثة ميادة عبد العال