كتب – ليلى حسن
قال حسن اسميك رئيس مجلس امناء مركز ستراتيجيكس للدراسات والأبحاث، إن منطقةُ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “لا تزال الأقل سلاماً واستقراراً في العالم”!، منوها بأن ذلك هو ما انتهى إليه “معهد لندن للاقتصاد والسلام” في تصنيفه لـ”مؤشر السلام العالمي” لسنة 2020.
وأضاف أن هذا التصنيف يعيد للأذهان السؤال الحاضر دائماً: لماذا لا يزال الشرق الأوسط يعيش دوَّامة العنف والجمود السياسي حتى الآن؟، لافتا إلى أن المشهد البانورامي للمنطقة العربية يشير إلى حالة من الاستعصاء الذي تفاقم نحو أُفُقٍ مسدود أمام أيّ حلِّ سياسي خلّاق للجمود الذي أصاب أغلب ملفاتها بالفشل.
وأشار إلى أن الأزمةُ السورية مثلاً ما زالت تدور في حَلْقة مُفرَغة من العنفِ والعنفِ المضادّ نتيجةَ تدخُّل الأطراف الدولية والإقليمة وتعارض مصالحها، ولا خاسر في ذلك سوى السوريين أنفسِهم، وهم يرون استنزاف مقدَّرات وطنهم في المجالات كافةً.
وتابع، على غرار تدويل الأزمة السورية تتعرَّضُ “ليبيا” للتدخلات الخارجية ذاتها، حتى بلغ العنف السياسيُّ فيها درجاتٍ غيرَ مسبوقة، ناهيك عن تدهور مفهوم الدولة وانحسارِهِ لصالح مشاريع فئوية وجهاتِ أفقدت الليبيين الثقةَ بالمواطنة والإيمانِ بالمستقبل.
وفيما يخص “فلسطين” قال حسن اسميك، إن قضيتها التي كانت وما زالت تمثِّلُ أساسَ صراعات المنطقة فيبقى التنبُّؤ بمستقبلها أصعبَ من الضرب بالرَّمْل أو السير عبر الضباب، خاصةً بعد “صفقة القرن” التي ساهمت في تعقيد المشهد بدل تبسيطه، وباعدت بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني أضعاف ما كانا عليه في السابق.
وعلى الصعيد السياسي الإقليمي – الدولي، أشار رئيس مجلس امناء مركز ستراتيجيكس للدراسات والأبحاث، إلى أن “الملف النووي الإيراني” مازال عالقاً بسبب تمسُّكِ كلّ من “طهران” و”واشنطن” بموقفيهما، وهما يمارسان لعبة عضّ الأصابع التي يختبر كلُّ طرفٍ فيها صبر الآخر وقدرته على التحمُّل.
وتابع، يُصِرُّ “ترمب” على أنّ موقفه المتشدِّدَ من “طهران” مبنيٌّ على حجم التهديد الذي تمثله إيران ضدَّ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، فقد أتبع انسحابَه من اتفاق (5+1) بتبني استراتيجية “الضغوط القصوى” ضدَّ النظام الإيراني، والتي ترتكز على تشديد العقوبات المفروضة عليها، بغرض تقليصِ دورِ أذرعها السياسية النشطة في الدول العربية، وخاصةً في العراق.
ولفت إلى أن “العراق” مازال يعاني من التعطيل السياسي والاقتصادي القائم على تدهور الثقة بين قياداته السياسية وقواعده الشعبية، التي لم يبقَ أمامها سوى إعلان العصيان المدنيّ مدعوماً بالمظاهرات السلبية المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وإنهاء المحاصصة السياسية والطائفية، ومحاربة الفساد، وحماية استقلال سيادة العراق، وقراره الداخلي، منوها بأن هذه الأهداف ما زالت بعيدةَ المنال بسبب تعقُّدِ الحالة العراقية التي أدخلت العملية السياسية برمتها في مسارات مظلمة مجهولة المصير.
وقال، إن تاريخُ الشرق الأوسط الحديث اتسم بالصراعات الدموية التي حولته إلى جحيمٍ لا يطاق؛ سواءٌ بسبب حروبه التي لا تنتهي – وكأنَّها سلسلةٌ من النزاعات المتعاقبة التي لا تنتهي إحداها إلا بعد أن تَخْلُفَها أخرى، فكأنّ الحرب فيها ولادةٌ، كلما انتهت في جهة عادت لتضطرم نارُها في جهة أخرى – أو بسبب اقتصادهم المنهار.
وشدد على ضرورة تدخل عقلاء المنطقة، من القادة والسياسيين والمفكرين، والأخذ بزمام الأمور وتوجيهها نحو فتحِ قنوات التواصل مع جميع الأطراف السياسية الإقليمية والدولية ذات التأثير، وذلك بُغْيةَ المسارعة في الإنقاذ والحدِّ من الانجراف نحو الهاوية المرتقبة، منوها بأن “الولايات المتحدة” وحلفاؤها عليهم أن يدركوا أنّ نيران الأزمات التي لا تُطفأُ اليومَ ستصل إليهم غداً أو بعد غد، بالمزيد من موجات الهجرة.
وأكد أن تحريكَ ملفاتِ المنطقة الساخنة أصبح ضرورةً مُلحَّةً وعاجلة، وأملُنا معقودٌ على أن تبادر الدولُ العربية الفاعلة في المنطقة، وقياداتُها صاحبةُ التأثير الإقليمي والعالميّ إلى طرح مبادرات خلّاقة حول الملفات الساخنة؛ بحيث تكون هذه القيادات في طليعة المساهمين في رسم وصناعة تاريخٍ جديدٍ لشعوب “الشرق الأوسط” كافةً لخلق عهدِ جديد يتوقَّفُ فيه استنزافُ الثروات، ونتخلّص من الفوضى والإرهاب (وحرب الكل ضد الكل)، وكما قيل: “الساسة العظام هم الذين يصنعون فرقاً لشعوبهم”.