محمد حنفي الطهطاوي
أكد الدكتور أحمد علي سليمان عضو مكتب جامعة الأزهر للتميز الدولي، أن المسؤول عن تجديد الخطاب الديني وتطويره قديمًا وحديثًا هو الأزهر الشريف، لكن الأزهر لحملة ممنهجة تستهدف إضعافه وتحجيم دوره وتأثيره، وقال في برنامح (لقاء خاص)، الذي على القناة الثانية بالتليفزيون المصري، إن مصر إذا قوي فيها الأزهر الشريف قويت وزاد تأثيرها دوليًّا، وبقوة الأزهر يقوى الخطاب الديني ويتجدد باستمرار، مشيرا إلى أن الله تعالى وهب مصر نهر النيل والأزهر الشريف، ومن ثم يجب الحفاظ عليهما والوفاء بحقوقهما علينا.
ولفت إلى أن العالم كله يحترم الأزهر الشريف ومناهجه وعلماءه وعلى رأسهم الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب شيخ الأزهر، وأشار إلى أن مؤسسة الأزهر الشريف مؤسسة عريقة تتكون من قطاعات رئيسة هي: المجلس الأعلى للأزهر – جامعة الأزهر – مجمع البحوث الإسلامية – قطاع المعاهد الأزهرية – هيئة كبار العلماء، وكلها تعمل لخدمة مصر والعالم الإسلامي، بل والعالم أجمع.
وأوضح أن الأزهر الذي يمتد تاريخه إلى أكثر من 1050 عاما، يقوم التعليم فيه على منهجية علمية يستحيل معها الانجرار إلى التطرف أو الإرهاب، حيث يرتكز على عدة ركائز أساسية، تتمثل في أننا نُدرِّس لأبنائنا في الأزهر علوم المنقول وهي القرآن والسُّنة، ونُدرِّس لهم علوم المعقول وهي المنطق والفلسفة وطرق التفكير والاستنباط والاستقراء وغيرها من المنهجيات التي تُشَّغِل عقولَ المتعلمين، كما نُدرِّس لهم علوم الآلة (علوم اللغة وأصولها والبلاغة والدلالات والسياقات..إلخ)؛ وبالتالي فالطالب الأزهري يفهم النص فهومًا متعددة، ومن هنا كان التنوع وكان الثراء الفكري وكان الاختلاف والتعددية، ومن ثم نثري لدى الطلاب ثقافة قبول الآخر، أما في غير الأزهر فإن الطالب يقرأ النص الديني فيفهمه على وجه واحد فقط أي يفهمه بطريقة واحدة، وبالتالي يحدث التطرف ويحدث العنف ويحدث الإرهاب، وليس ذلك في الأزهر الشريف.. لذلك لا نبالغ إذا قلنا إن الأزهر هو عطية الله لمصر والعالم.. فالأزهر الشريف قد جاوز الألف عام ولا يزال شابًا فتيًّا يصارع الزمان، لم تُجد معه ريح عاتية، ولم يهزه كيد كائد، ولم يضره تدبير ماكر. ومع ذلك، فقد واكب الحياة المعاصرة وسعى لتطوير مناهجه، لتعظيم دوره في نشر صحيح الدين، وتكريس ثقافة التسامح والتعددية والسلام.
وأشار “سليمان” إلى أن التعليم الأزهري الآن يستفيد منه مليونان ونصف مليون طالب وطالبة، منهم 40 ألف طالب وافد من 107 دولة، ترسلهم بلادهم للتعلم في الأزهر إيمانا منهم بمكانة الأزهر وسلامة مناهجه ودورها في الحفاظ على الهوية الإسلامية واللغة العربية وترسيخ المحبة والسلام.
وأكد الدكتور أحمد علي سليمان أن المناهج القديمة في الأزهر لم تخرج إرهابي واحد عبر تاريخه الذي يزيد عن ألف عام، وأن المناهج المطورة تؤكد منهجية الأزهر في التركيز على ثقافة التلاقي، وتؤكد على احترام الآخر والحفاظ عليه وعلى دور عبادته، مشيرا إلى أن كل كنائس العالم تحترم الأزهر، وكل الأديان في العالم تطمئن للأزهر، ومن ثم فإننا نفتخر بالمناهج القديمة ونفتخر بالمناهج الحديثة، حيث تربي المتعلم على حسن الفهم وحسن التعبير وعلى الاعتدال في الفكر والسلوك، وتربيهم على قبول الرأي والرأي الآخر، لذلك نجد في البيت الواحد مَن يتعبد الله تعالى على المذهب الشافعي، وآخر يتعبد الله على المذهب الحنفي، وثالث يتعبد الله على المذهب المالكي.. إلخ، دون أن يُخطئ أحدٌ أحدًا، أو يُثرب أحدٌ على أحدٍ، بل كله صحيح وكله إثراء للحياة.
وحذر من أن جهات معينة لا تريد الخير لمصر، ولا تريد الخير للأزهر، بل تريد إضعافه لأن لا يصب إلا في صالح إسرائيل وصالح تيارات التشدد والتكفير، مشيدا بالجهود العظيمة التي قام بها الأزهر الشريف في العامين الماضيين، لتعزيز مكانة مصر، وقد لمسها العالم كله وتحدث عنها بالفخار، حيث ركزت زيارات فضيلة الإمام الأكبر على ترسيخ السلام العالمي والتركيز على المشتركات بين الإسلام والمسيحية وما أكثرها.
وأكد “سليمان” أن ظهور داعش وأخواتها يمثل عبئًا على الأزهر وتحديًّا آنيًا، وهو يقوم بجهد مضاعف، وبخاصة أن الأنظار كلها متجهة إليه، وبعضها متربص، وبعضها متصيد للهفوات، فالأزهر كأي مؤسسة وطنية شريفة يحتاج إلى أن نمد له الأيدي بالدعم والمساندة والفكر والنقد البناء، خصوصًا وأن السياق العام كان مهترأ في العقود الماضية والتطوير يحتاج إلى وقت، وهو ما نعمل عليه في الأزهر الشريف.
وعن التحديات التي تواجه التعليم عموما والأزهري على وجه الخصوص أشار الدكتور أحمد سليمان إلى أنه قد ظهرت في هذا العصر -عصر ثورة الاتصالات والإعلام الجديد- مشتتات كثيرة جدًّا جدًّا، ولابد أن يواكبها ثورة في المشوقات التعليمية والتربوية، حيث نحتاج وبشدة إلى المعلم القدوة الجاذب، والمنهج الجاذب، واستراتيجيات التعليم والتعلم الجاذبة، ونحتاج إلى المعهد الأزهري الجاذب، والامتحانات وآليات التقويم التي تقوم على أسس علمية. مشيرا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أخذت حيزًا كبيرًا من أدمغة النشء والشباب، ولابد أن يواكبها تعليمًا حديثًا نوعيًّا يركز على تنمية فكر الطالب، ويدخل إلى العلوم بصورة مباشرة بدون حشو، والقضاء على ظاهرة الشحن والتفريغ (شحن المعلومات في الدراسة وتفريغها في الامتحانات). وأكد أن اهتمامات النشء والشباب تغيرت كثيرًا ولابد أن يراعي ذلك في فلسفة التعليم وأهدافه…إلخ.
والتعليم الأزهري على الرغم من تطويره إلا أنه يحتاج إلى ديمومة التطوير والتجديد، ويحتاج استثمارًا حقيقيًّا ونقلة نوعية وانتفاضة حقيقية في تكوين المعلم وإعداده وتدريبه، وفي تقييم أدائه بصورة علمية، باعتباره حجر الزاوية في العملية التعليمية، وكل ذلك سيعود بالخير ليس للأزهر فقط وليس لمصر فقط؛ بل للعالم أجمع.