كتب- محمد الغريب
كشف تقرير صادر عن مرصد الأزهر الشريف لمكافحة التطرف أنه منذ وقوع الأراضي الفلسطينيَّة تحت وطأة الاحتلال الصهيونيّ الغاشم، وقضية القدس ومقدساتها، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، كانت على رأس أولويات الأزهر وقضيته الأولى كما هي قضية العرب والمسلمين الأولى، دائمًا في قلب الأزهر الشَّريف ووجدانه، مهمومٌ بها، وساعٍ بجِدٍ إلى دعم ومساندة الشعب الفلسطيني المظلوم، وإرجاع الحقّ المسلوب إلى أهله.
وتمثل دور الأزهر الشريف في نُصرة القضية الفلسطينية الدائم والمتجدد منذ بدايتها؛ فلم يترك في هذه القضية دربًا إلا سلكه سعيًا منه إلى دعم ومناصرة الشعب الفلسطيني في تحرير أراضيه المحتلة ومقدساته الإسلامية والمسيحية، ووقف آلة القتل وإراقة الدماء من جانب الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والمكان، وتحقيق العدالة بإقامة دولة فلسطين كما كانت وعاصمتها القدس الشريف.
وعلى مدار عقود ممتدة، تضافرت جهود جميع الهيئات التابعة لمؤسسة الأزهر الشريف في العمل على يقظة الوعي بالقضية الفلسطينية وأبعادها لدى النشء والأجيال المقبلة. وقد عبَّرت عن تلك الجهود كلمة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشَّريف، خلال مؤتمر الأزهر الدوليّ لنُصرة القُدس عام 2018م، حين قال:
«مُنْذُ أبريل عام 1948م من القرن الماضي والأزهر الشَّريف يَعْقِدُ المؤتمراتِ تِلْوَ المؤتمرات عن فلسطين وعن المسجِد الأقصى والمقدَّسات المسيحيَّة في القُدْس، وقد تتابعت هذه المؤتمرات حتَّى بلغت أحد عشر مؤتمرًا ما بين 1948م و1988م، وحضرها أساطين العلماء والمفكِّرين المسلمين والمسيحيِّين من أفريقيا وآسيا وأوروبا، وقُدِّمت فيها أبحاثٌ غاية في الدِّقَّة والعُمق والاستقصاء، وبنَفَسِ المهمُوم الذي لَمْ يَتبقَّ له إلَّا نفثاتٌ تُشْبِه نفثات المصدُور الذي فقد الدَّواء واسْتعصَى عليه الدَّاء».
وانطلاقًا من كون مرصد الأزهر لمكافحة التطرف «عين الأزهر الناظرة إلى العالم»، فقد تحمّل مسئولية إعادة التوعية بالقضية الفلسطينية، والسعي الجادّ إلى الوصول بأبعاد القضية وملفاتها الشائكة إلى أكبر عددٍ ممكن من قطاع الشباب، سواء عبر تنوع المحتوى وأسلوبه أو عبر اتّباع الوسائل الرقمية الحديثة، واستثمار منصات التواصل الاجتماعي لتكون منارةً لنشر تفكيرٍ عربيٍ وإسلاميٍ جديدٍ يتمحور حول عروبة القدس، وحرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتبعيتها لأصحابها، وقد تمثّل هذا عبر عدة محاور من عمل المرصد.
محاور عمل المرصد
يتابع مرصد الأزهر المستجدات على الساحة الفلسطينية كافة على مدار الساعة، بدايةً من الاعتداءات الصهيونية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ومحاولة تثبيت سياسة الأمر الواقع فيما يتعلق بتمكين المحتلين من اقتحامات ساحات الأقصى والحرم الإبراهيمي الشريف، وسُبل التهويد التي ينتهجها الاحتلال الصهيوني لفرض الطابع اليهودي على مدينة القدس المحتلة. وكذلك الاستيطان الذي يهدف بخبث تدريجيًّا إلى استحالة قيام دولة فلسطينية مستقلة، ودور الجماعات الصهيونية في التخريب والتطهير العرقي للفلسطينيين، وتزوير الروايات التاريخية لصالح الصهاينة ومحاولات تغييب العقول وغسل الأدمغة وسبل التصدي لها. وذلك على عدة محاور أبرزها:
1- الاعتداءات الصهيونية على المقدسات
يضع فريق عمل المرصد محور المقدسات الإسلامية والمسيحية بدولة فلسطين المحتلة على رأس محاور أعماله فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ويأتي في مقدمة هذه المقدسات المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى نبينا محمد ﷺ، فيتابع على مدار الساعة كل ما يتعلق بالاعتداءات الصهيونية على ساحاته المباركة أو على المُصلين والمرابطين بداخله.
ويُعد المرصد تقريرًا أسبوعيًّا مُفصلًا عن أعداد المقتحمين لساحة الأقصى المبارك، مع إبراز أسباب هذه الاقتحامات وتداعياتها وردود الفعل الفلسطينية والعالمية تجاهها، وتحريض منظمات الهيكل «المزعوم» والجماعات الصهيونية المتطرفة –المدعومة من سلطات الاحتلال- لمزيد من التدنيس لساحات الأقصى، وتسليط الضوء على الدور الفاعل لجهاز الشرطة الصهيوني في تمكين المحتلين من تنفيذ الاقتحامات، مع فرض مزيدٍ من القيود على رواد المسجد الأقصى والتنكيل بالمرابطين بداخله من اعتقال وأوامر إبعاد واعتداءات متعددة.
ويتوج المرصد نتاج عمله الشهري بإصدار تقرير شهري دوري على صفحاته المتعددة على منصات التواصل يتناول بتفصيلٍ أكبر كل ما يتعلق بالاعتداء على المسجد الأقصى وساحاته ورواده والمرابطين بداخله، ثم تقرير سنوي يناقش حصاد العام مقارنة بالأعوام السابقة، وسبل التصدي للإرهاب الصهيوني.
ولا يكتفي المرصد بمكافحة التطرف بحق المقدسات الإسلامية الفلسطينية فقط، بل يضع نصب عينيه كل ما يتعلق بالمقدسات المسيحية الفلسطينية كذلك، وقد نشر المرصد عددًا من الإدانات التي تزامنت مع اعتداءاتٍ على مقدسات مسيحية؛ إذ لا يُفرق الإرهاب الصهيوني بين مسلم ومسيحي طالما كانت الراية فلسطينية وألوان العلم: أسود، وأبيض، وأخضر، فوقها مثلث أحمر.
2- محاولات تهويد مدينة القدس العربية
يُعد من أكثر المحاور التي يتابعها مرصد الأزهر أهمية؛ إذ الكيان الصهيوني يعمل في سياسات متوازية وبشكل سريع لتهويد مدينة القدس، ومَحو ما يُمكن من آثار إسلامية ومسيحية، وصبغ الكثير منها بالصبغة اليهودية، وتسريع وتيرة إقامة المشاريع التي تغيّر ملامح المدينة المقدسة، من مشاريع احتلالية وطرق جديدة ومرافق وخدمات تخدم هذه المشاريع في محاولات بائسة لتغيير معالم مدينة عربية معروفة بعروبتها وطابعها الفريد على مر العصور.
3- النشاط الاحتلالي والإبادة الجغرافية للفلسطينيين
ينهش النشاط الاحتلالي في جسد الدولة الفلسطينية، وتتَّبعه سلطات الاحتلال الصهيوني كأداة ممنهجة للاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية، وتكمن أخطاره كونه يتسبب في الإبادة الجغرافية لأبناء الشعب الفلسطيني من أراضيه المحتلة؛ من خلال تصعيد وتيرة مخططات الضم والفصل، الأمر الذي يزيد من صعوبة التواصل الجغرافي بين أجزاء الدولة الفلسطينية المحتلة، وما يترتب عليه من استحالة قيام دولة فلسطين المستقلة عاصمتها القدس الشريف.
وفي مسارٍ متوازٍ، تعمل سلطات الاحتلال على إفراغ الضفة الغربية ومدينة القدس من سكانهما الأصليين، عبر تسريع وتيرة هدم المنازل الفلسطينية، والسعي إلى عدم بناء المزيد منها، ورفض إعطاء تصاريح البناء.
4- العنصرية الصهيونية
دائمًا ما يتغنّى الكيان الصهيوني منذ قيامه بأنه موطن التعددية وقبول الآخر ومنارة الديموقراطية في الشرق الأوسط، عبر الترويج الكاذب الذي تقوم به آلته الإعلامية ذات التأثير الواسع والكبير على العالم أجمع. وكلها دعاية كاذبة ومزيفة، لا تعكس الواقع ولا تُعبر عنه من قريب أو بعيد؛ لذلك يتابع المرصد وضع «فلسطينيي 48»، وهم الفلسطينيون الذين قاوموا التهجير الصهيوني ورفضوا مغادرة أراضيهم، وفرض عليهم الاحتلال الصهيوني جنسيته المزعومة، كما يرصد مدى العنصرية البغيضة التي يمارسها الاحتلال بحقهم، والتي تُظهر الوجه الحقيقي لهذا الكيان المُغتصِب. ومدى التمييز من خلال الخطاب الإعلامي الصهيوني.
5- الجماعات الصهيونية.. أداة الكيان للتطهير العرقي
عملت سلطات الكيان الصهيوني على مدار عقود الاحتلال الماضية في زرع المستوطنين المتطرفين في مستوطنات عديدة في مدينة القدس والضفة الغربية، وسمحت لهم بتكوين جماعات إرهابية، هدفها الرئيس هو التطهير العرقي للشعب الفلسطيني من أراضيه، عبر تكدير سير الحياة اليومية على يد هذه الجماعات، جراء الاعتداء على الأنفس والممتلكات والأراضي الزراعية بشكل وحشي وشبه يومي.
وتحظى هذه الجماعات الصهيونية المتطرفة بدعم مباشر من حكومة الاحتلال الصهيوني، ومظلة أمنية وقضائية توفر الحماية الكاملة لأفرادها أثناء وبعد تنفيذ الاعتداءات الإرهابية على الشعب الفلسطيني ومقدراته، مع السماح لهم بحيازة أنواع متعددة من الأسلحة وإطلاقهم على الفلسطينيين.
متابعات مستمرة.. وتقارير ومقالات ونشاط مكثف بـ13 لغة
ويتابع المرصد بشكل عام كل ما يخص القضية الفلسطينية، فلا يغفل عن التحريض الصهيوني وخطاب الكراهية في وسائل الإعلام الصهيوني، وكذلك الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية، سواء الداعم أو المُضاد. وغيرها من ملفات ومحاور لها تأثير على مستقبل القضية الأكثر عدلًا على وجه الأرض.
ويحاول المرصد استثمار التطور الرقمي ومنصات التواصل في رصد ومتابعة كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، وكذلك في مجال نشر أكاذيب الاحتلال وفضح إرهابه، والتوعية بالقضية الفلسطينية، وذلك من خلال نشر الأعمال المتنوعة للمرصد على منصاته الرقمية المختلفة باللغتين العربية والعبرية، مع ترجمة أبرز هذه الأعمال إلى لغات المرصد الـ 13، مع التركيز على اللغات الأكثر انتشارًا في العالم؛ فنجد في هذا المجال إصدارات متنوعة ما بين حملة وكتاب ودراسة ومقال وتقرير وبيان وإنفوجراف وفيديو… إلخ
ومرصد الأزهر – في اتباعه لهذا النهج – يضع نصب عينيه مقولة الإمام الأكبر تعليقًا على قرار الإدارة الأمريكية نقل سفارتها إلى القدس، حين قال:
”إن هذا القرار الجائر والذي رفضه أكثر من ثمان وعشرين ومائة دولة، وأنكرته كل شعوب الأرض المُحبة للسلام، يجب أن يُقابَل بتفكير عربي وإسلامي جديد يتمحور حول تأكيد عروبة القدس، وحرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتبعيتها لأصحابها، وأن يتحول هذا التأكيد إلى ثقافة محلية وعالمية تحتشد لها طاقات الإعلام العربي والإسلامي، وما أكثره، وهو الميدان الذي هُزمنا فيه ونجح عدونا في تسخيره لقضيته».
أبرز جهود المرصد لدعم القضية الفلسطينية
وفيما يلي -بعد استعراض محاور العمل- عرض موجز بأبرز جهود المرصد في دعم القضية الفلسطينية في نقاطٍ تمثلت فيما يلي:
1) المشاركة في مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس.
2) 200 منشور ما بين إدانة وبيان وخبر على صفحة المرصد باللغة العربيَّة.
3) 260 تقريرًا ومقالًا باللغة العبريَّة على صفحة المرصد باللغة العبريَّة.
4) 62 تقريرًا ومقالًا على موقع المرصد على بوابة الأزهر الإلكترونيَّة وفي مجلة المرصد الدوريَّة.
5) إطلاق حملة توعوية وتثقيفية بعنوان «الذي باركنا حوله»، بالتزامن مع ذكرى الإسراء والمعراج، في أبريل 2019م؛ بهدف توعية الشَّباب بمكانة الأقصى في الإسلام، وتاريخ القضية الفلسطينيَّة، والتَّأكيد على عروبة فلسطين، باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى.
6) إعداد كتاب باللغة العبريَّة بعنوان: «انتهاكات ضد الشعب الفلسطينيّ والمقدسات».
7) تقرير شهريّ دوري به ملف ثابت يتناول الأوضاع على الساحة المقدسية، ضمن التقرير الشهري الموسَّع للمرصد، ويبرز جميع الانتهاكات الصهيونيَّة ضد الشعب الفلسطينيّ ومقدساته ومكتسباته، إضافة إلى التركيز على تنامي خطاب الكراهية والعنصرية داخل وسائل الإعلام الصهيونيَّة، وتسليط الضَّوء على الدول والحركات والشخصيات الداعمة للقضية الفلسطينيَّة.
8) عددٍ من الأنشطة والفعاليات والحملات بالعربية والعبرية والتي تهدف إلى التَّأكيد على استعادة الوعي بالقضية الفلسطينيَّة، وزرع هذه القيم داخل النشء والشَّباب.
9) إعداد بحث عن الجماعات الصهيونيَّة المتطرفة الناشطة داخل مدينة القدس والضفة الغربية المحتلتين، وخطرها على الوجود الفلسطينيّ، ضمن دراسة موسعة للمرصد عن أنشطة اليمين المتطرف بشكلٍ عام.
10) إعداد بحث عن المقدَّسات داخل فلسطين المحتلَّة، وخطر التَّهويد الصهيوني على تغيير هويتها، ضمن دراسة موسَّعة أعدَّها المرصد عن الاعتداء على دور العبادة في العالم.
وأكد مرصد الأزهر في ختام عرضه لجهوده في دعم القضية الفلسطينية استمراره بقوة في القيام بدوره في التوعية بهذه القضية الأهم، وبموقف مؤسسة الأزهر العريقة تجاه القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية وعلى رأسها القدس، من خلال اتباع المنهج العلمي في تفنيد الادعاءات الصهيونية، وتشكيل حائط صدٍ منيع للتحذير من الوقوع في براثن بعض المخططات الصهيونية الخبيثة التي تعمل على تفكيك الثوابت الفكرية والعقائدية.