التطرف الفكرى أسلوب مغلق في التفكير يتسم بعدم القدرة على تقبل أية معتقدات تختلف عن معتقدات الشخص أو الجماعة أو التسامح معها ، ويتسم هذا الأسلوب بنظرةٍ إلى المعتَقَد تقوم على أنَّ المعتقد صادق صدقًا مطلقًا و أبديًّا، يصلح لكل زمان ومكان، لا مجال لمناقشته ولا مجال للبحث عن أدلَّةٍ تؤكده أو تنفيه,ظاهرة التطرف أكثر ما تمس في مجتمعاتنا فئة الشباب؛ لأن الشباب في هذه المرحلة يبحث عن الهوية والتقدير وإثبات الذات، وإذا لم تتوافر في أسرته أو جامعته أو محيطه فهو يبحث عنها في جماعات ومؤسسات أخرى، ودوافع الشباب للارتماء في أحضان التطرف الفكرى متعددة أبرزها الرغبة في التواجد وإثبات الذات داخل المجتمع؛ على اعتبار أن فكرة وسيلة للبروز والشهرة والزعامة.
أضف إلى ذلك عامل الفراغ، فالشاب إذا أحس بالفراغ نتيجة لعدم استثمار وقته، أسهم ذلك في انحرافه وتطرُّفه، ويزداد الوضع سوءًا إذا صادف ذلك سن المراهقة؛ لأن الفرد يكون فيها غير مستقر نفسيًّا، مما يجعله عرضة للاستفزاز أو للاصطياد من قبل رفقاء السوء، او مدعى العلم كما أن ضعف ثقة الشباب في كثير من أجهزة الدولة ومؤسساتها، وخاصة الجامعية، نتيجة عدم الاقتناع بالإجابات التي يتلقاها عن أسئلته وعدم الرضا عنها؛ إذ إنَّ غالبيتها لا تَتَّسِم بالإقناع والصراحة، ولا تتفق مع متطلباته، مما يؤدي إلى اتجاه الشباب اتجاهًا معاكسًا للوضع القائم، والبحث عن إجابات في المواقع الالكترونية التي تنصِب شراكها للإيقاع بهم في فتاوى متطرفة، ومما يزيد في تأزيم الوضع , جهل الشباب، وسوء فهمهم للدين.
ومن المظاهر التي تُميِّز المتطرفين ، العزلة عن المجتمع، واللجوء الى كل بدعة او امر شاذ كما تتَّسم الشخصية المتطرفة على المستوى العقلي بالانغلاق والجمود عن التفكير، وعدم القدرة على التأمل والإبداع، والأخطر من ذلك أنَّ المتطرفين يتسمون بشدة الانفعال والاندفاع والعدوان والعنف والغضب عند أقل استثارة
فالكراهية مطلقة وعنيفة للمخالف أو المعارض في الرأي، والحب الذي يصل إلى حد التقديس والطاعة العمياء لرموز هذا الرأي؛ خاصة في فئات الشباب، كما يتميز المتطرفون دينيًّا بالخروج على الحكام، ومُسوِّغهم في ذلك تكفيرهم لعدم حكمهم بما أنزل الله، أو لمخالفتهم للشرع، أو لعمالتهم للغرب الكافر على حد زعمهم، ولا عجب أن يبلغ هذا التطرف مداه حين يُسقط المتطرف عصمة الآخرين ويستبيح دماءهم وأموالهم وأعراضهم؛ لأن منهجه يقوم على تفسير النصوص حرفيًّا دون مراعاة مقاصد الشريعة التي ضَمِنَت حقوق الآخرين وتحريم الاعتداء عليها, وسمات تميزهم عن غيرهم؛ إذ إنَّ المتطرفين لا يسمحون للآخرين بإبداء آرائهم؛ أي لديهم الإيمان الراسخ بأنهم على صواب والآخرين على خطأ وفي متاهات وضلالات .
كما أنهم يتميزون بالعنف في التعامل، والخشونة والغلظة في الدعوة، والشذوذ في المظهر، بالإضافة إلى النظرة التشاؤمية والتقليل من أعمال الآخرين والاستهتار بها، والاندفاع وعدم القدرة على ضبط النفس,لقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالاستقامة والاعتدال ونهاهم عن الغلو والانحلال، و”إن الدين الإسلامي يعارض التطرف والتعصب، ويحترم التعددية الثقافية والدينية والحضارية وينبذ العنصرية” (1)،ويدعو للوسطية.
فقد قال الله تعالى:- (يَاأَهْلَ الكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) الآية 171 سورة النساء.
وقال سبحانه وتعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَةً وسَطَاً لِتَكُونُواْ شهداء على النَّاسِ وَيَكُونَ الرَسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيَداً) الآية 143 سورة البقرة
التصدي لظاهرت التطرف لا تتم إلا بإحياء دور العقل ودراسة الظروف الاجتماعية التي ساعدت على تفشي تلك الظاهرة ,ظهرت طوائف تدعى انتماءها للدين، وهى أبعد ما تكون عنه وهناك تطرف وعنف في مساحات شاسعة على خريطة العالم تنسب للإسلام، وهناك دماء أريقت باسم الدين من ناحية، وهناك إلحاد وتشكيك ومحاولات لهدم الدين ونسف تراث المسلمين الدينى وهناك ايضا من ينتسبون الى علماء الدين وفتاواهم التى تدمر فكر وعقيدة ..
تردى الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، والبطالة التي تعصف بالملايين من الشباب، وفساد التعليم الناتج من فراغ المحتوى المنهجى من أي مضمون علمى يؤهل النشء الجديد لأن يصبح ذا فكر مستنير يستطيع من خلاله التمييز بين الجيد والرديء فيما يلقى إليه من أفكار، وما قابله من غزو فكر التعليم الخاص الذي يهدف لتجريف العقول لتحقيق أهداف معينة يستطيع العابثون والمتامرون على هذا الوطن من خلالها توجيه المجتمع كيفما شاء.
كما أن التعصب بين أصحاب المذاهب الفقهية له دور رئيسى في صناعة التطرف، وأن هناك جزئية أخطر من هذا وهى الخلط بين مفهومى الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، فمفهوم الأولى هو النصوص قطعية الثبوت والدلالة والتي لا يستطيع أي شخص التلاعب بها أو توجيهها حسبما تقتضيه مصلحته الخاصة، أما مفهوم الفقه الإسلامى فهو علم قائم على الاجتهادات البشرية والتي حرفها البعض من كوادر الجماعات المتطرفة الذين لبسوا عباءة الدين ظلمًا وبهتانًا وأقنعوا السذج بأن ما يلفظون به أقوال ليست مجرد فتاوى وأحكام تخضع للصواب والخطأ، بل هي مفهوم للشريعة الإسلامية وما عداها باطل، وهذه هي أم المصائب التي انحدرت بنا إلى مستنقع التطرف الفكرى الذي سيق إليه المجتمع رغمًا عن إرادته،
بقلم : ميادة عبد العال