بقلم : محمد الغريب
يبدو أن كثيراً ممن يدعون العصمة، ورفع الحرج عن دعواتهم لزيارة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب المسجد الأقصى، فاتهم الكثير والكثير، في أن دعواهم التي يبدون خلالها تعاطفاً مع قضية المسجد الأقصى علي وجه الخصوص، والأزمة الفلسطينية عامة، يفتقرون كثيراً من الخبرات في كيفية أن توجه الدعوة وإلي من توجه.
حيث ابتعد هؤلاء بصورة أو بأخري عن لُب القضية وجوهرها، الذي يتمثل في أن القوة العسكرية باتت الخيار الأكثر تتطلباً في المرحلة الراهنة، لا الحديث الناعم أو الكلام المعسول الذي دأبت الأانظمة عليه منذ سنوات عدة،وذهبوا لتحميل مؤسسة ما القضية، وتناسوا أن الرجل لا يملك وهو يقود مؤسسة علمية -فقط هي تلك المسمى، دستورياً وواقعياً، أن تكون لكلماته ردود الفعل التي كانت لتُسمعها أصوات أحبار وباباوات القرون الماضية والحالية في نفوس المؤمنين بهم.
ولا ينفك أحداً منهم أن يطالب رأس تلك المؤسسة التي تهان، فقط لكونها تخالف يقينهم بأن القضاء علي الهيمنة الدينية تتمثل في انهيار صرح الألف عام أو يزيد، حتي وإن كانت أفكاره تتهاون وتتجاوب معهم، فما بين إهانة وتمسح، وبين قدح وذم، يتحججون بالغيرة والرغبة في النصيحة، وما أن تسنح لهم الفرص حتي يصوبوا سهامهم مجدداً نحوه، وبالنظر إلي القضية الفلسطينية والدعوة التي أطلقها الداعية اليمني الحبيب علي الجفري، لشيخ الأزهر بأن يذهب إلي القدس ويعلن دعمه للقضية، يظل السؤال مطروحاً له ولمن أبدي التأييد والترحيب، لماذا لا توجهون دعواكم إلي الرؤوس الحاكمة؟، وهل تقبلون دعوة الشيخ الذي قد يرفض الذهاب وتعريض حياته وسمعته للخطر -حسبما ستروجون عنه- بإعلان الجهاد بين المسلمين.
ولي سؤال خاص، هل باتت القضية عندكم في ذهاب رأس مؤسسة علمية لا تقبلون بأفكارها ولا ترحبون بمناهجها وهي عندكم من الإرهاب بموقع كبير؟، أم باتت الخطوة الشريفة والمباركة لـ”الطيب” -من وجهة نظركم- الخلاص لاحتلال عسكري غاصب؟، الجواب عندي، أنه لم يجن المفتي السابق وعضو كبار العلماء الدكتور علي جمعة، من زيارته التي أقدم عليها عام 2010، سوي الاتهامات والانقسامات، ليصبح بعدها مُطبعاً في نظر البعض، وخائناً في نظر البعض الآخر، ولم يكن لها تأثير من الناحية الدينية أو النفسية علي دعم المسجد الذي دنس مئات وآلاف المرات بعدها وقبلها، وهو موقف تعاقب بعده الإشادة بقرار البابا الراحل شنودة من منع الحج المسيحي إلي القدس تضامنأً مع المسلمين، واليوم لا ينظر هؤلاء إلي يما سيجنيه الأزهر جراء ذهاب شيخه إلي أرضٍ محتلة، من عواقب عديدة لا تؤمن، فماذا لو رفض الاحتلال دخوله؟، أو تعرض الشيخ لوابل من الاتهامات بالتطبيع وانتهت القضية بإخراج المؤسسة التي تجمع قلوب المسلمين حولها من دائرة الإجماع لتبقي كغيرها دول بلا عرب، وأمة بلا مسلمين.
وعلي ما يبدو أن الشيخ يرغب في اسكات معارضيه، فبالغ في الإعلان عن اجتماع هيئة كبار العلماء، فلن يكون لاجتماعه أي مردود من الناحية العملية سوي أنه تأكيد لبيان دأبت المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في الوطن العربي علي أن يطلقوه عقب كل حدثٍ، ملت الصحف والمواقع الإخبارية من تكرره “نشجب، ندين، ونطالب العالم”، فهل من المفترض أن يعلن غير ذلك؟، هل يفاجئ الجميع بفتح باب الزيارة إلي القدس مع اشتراطات؟، ويؤكد أنها ليست تطبيعاً.
وتظل الأطروحات والبدائل الخيرة في نظري، أن تخاطبوا رؤساءً وملوكاً لدولٍ طالما ادعت أنها في الحق سواء، وأنها لا تقبل المساس بالدول العربية كاليمن أو ليبيا، لتظل في نظرهم القضية الفلسطينية مائدة حوار تدعوهم إليها إسرائيل، أو مخاطبة الجامعة الورقية، أو مجلس التعاون إن شئتم، وإلا فاذهبوا بأنفسكم ولا تطالبوا بها غيركم أو تحملوهم ما أخفقتم به، ولا تكونوا كالذين قالوا لنبي الله موسي :” إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ”.