افتتاح ملتقى “صناعة التنجيم والأبراج بين العرف والشرع والفلك”
كتب: محمد حنفي الطهطاوي
ألقى محمد الضويني، كلمة في الجلسة الافتتاحية للملتقى الثقافي العلمي الأول لمركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء تحت عنوان “صناعة التنجيم والأبراج بين العرف والشرع والفلك”، نقل فيها تحيات الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، ورجاءه الصادق بالتوفيق للملتقى العلمي الأول لمركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء، وأمله بأن يسفر الملتقى عن توصيات جادة تكون صيانة للعقيدة والفكر والثقافة من محاولة الاختطاف والهيمنة من قبل أفكار شائهة ومشروعات منحرفة تخرج بين الحين والآخر تحاول غزو العقول والمجتمعات، وتنفيذ مخططات تدمر عقائد الأمم والشعوب وتهز إيمانها ويقينها.
وأكد الضويني أن موضوع الملتقى يمس قضية حياتية شغل بها كثير من الناس دون وعي أو إدراك لخطورة هذه القضية؛ فقضية التنجيم اليوم اقتحمت كثيرا من البيوت عبر وسائل الإعلام المختلفة، التي تروج لظاهرة التنجيم ومعرفة المستقبل، لاستقطاب أكبر عدد من المتابعين لبرامجها، ولزيادة أرباحها، بعيدا عن قانون الإيمان، وميزان القيم والأخلاق، مبينا أن هذا الرواج الكبير الذي يحظى به التنجيم في الفترة الأخيرة عبر تلك الفضائيات وغيرها، ربما كان سببه رغبة الإنسان في معرفة ما يخبئه المستقبل، وهذا الفضول قل أن يسلم منه إنسان.
وشدد على أن التنجيم الذي يقوم على الكذب والدجل، وتأكيد الأوهام في النفوس، ليس له أي أساس علمي صحيح، ومهما استخدم المنجمون من وسائل التكنولوجيا الحديثة، ليوهموا الناس أن القضية علمية فلا يعدو ذلك أن يكون محاولة يائسة يكشف العلم الصحيح بطلانها وزيفها.
وأوضح أن التاريخ كذب المنجمين قديما وحديثا في وقائع كثيرة، من أشهرها ما حدث للمعتصم الخليفة العباسي عندما أراد فتح عمورية فنصحه المنجمون أن يؤجل الفتح إلى وقت آخر، فلم يسمع لهم وسار بجيشه فكان الفتح والنصر، مؤكدا أن المنجمون في العصر الحديث تنبأوا بأحداث من زلازل وبراكين وحروب، لم يشأ الله أن تكون؛ ليثبت قيوميته على خلقه، وليفضح كذب هؤلاء، وصدق من قال: «كذب المنجمون ولو صدقوا».
وبين الضويني أن فهم علم الفلك أمر ضروري في الإسلام؛ لأن الشهور تعتمد على حركة القمر، وأوقات الصلوات تعتمد على حركة الشمس، كما أن كل مسلم مطالب بالتفكر في هذا الكون الهائل الذي نعيش فيه، وقد وردت كثير من الآيات التي تتحدث عن القمر والشمس والنجوم والليل والنهار والسماء والأرض، في سياق دعوة للتفكر فيها بما ينفع البشرية والإنسان في الدنيا والآخرة
وأكد أن العلماء المسلمون اهتموا بدراسة الفلك، وكانوا أول من فرق بين علم الفلك والتنجيم الزائف، وترجموا الكتب اليونانية الفلكية، وغيرها من العلوم، واستفادوا منها في دراسة السماء، ودمجوا التقاليد الفلكية للهنود، والفرس، والشرق الأدنى القديم، خاصة الإغريق منذ القرن الثامن وما بعده.
وأشار إلى أن حلقات العلم قديما في الجامع الأزهر لم تكن تدور حول العلوم الشرعية واللغوية فحسب، بل شملت علوم الهيئة والفلك والرياضيات، ومن هنا يتأكد وجود فرق كبير بين علم الفلك والتنجيم، فقد أباح الله تعالى لعباده تعلم العلوم التي تنفعهم ولا تضرهم، وأباح لهم الاستفادة من الفلك والنجوم، ومعرفة أشكالها وأسمائها وأماكنها بهدف الاستدلال على الطرق والجهات أثناء التنقل والسفر، وكذلك أجاز لهم حساب عدد الأيام والشهور والسنين وتحديد مواعيد الفصول من خلالها، ومعرفة الأوقات التي يحتمل نزول المطر بها، وغير ذلك من فوائد.
واختتم بالتأكيد على أننا لا نحتاج إلى التنجيم الذي يعبث بمخاوف الناس، ويتاجر بآمالهم، وإن ادعى أهله أنه علم، فهو علم زائف، قصارى ما يقدمه آراء لا تخضع لتجربة، ولا تثبت أمام قواعد العلم، فضلا عما يحدثه من إفساد عقائد الناس وأفكارهم حين يجعلهم يؤمنون بتأثيرات الكواكب والنجوم بعيدا عن الواحد الأحد، موضحا أننا نحتاج إلى علم الفلك الذي يضبط حركة الحياة، ويفتح أمام الأمة آفاق الوجود؛ لتسود وتقود، وتكون خير أمة أخرجت للناس، ونحتاج إلى علم الفلك الذي يرينا عظمة الخالق، ودقة صنعه، ومباهج إبداعه؛ ليزداد إيماننا بالله العظيم.
ويناقش المؤتمر عددا من المحاور المهمة كالتالي، أولا: تصحيح الانحرافات العقدية والفكرية والبدع العلمية والسلوكية والتطرف الفكري، ثانيا: التواصل مع التراث والانفتاح على العصر وآلياته، حيث المقصود من تجديد الفكر والخطاب الديني هو إحياء وبعث معالم الدين العلمية والعملية بحفظ النصوص الصحيحة نقية، ثالثا: نشأة الأبراج وظاهرة التنجيم وكثرة البرامج التلفزيونية على شاشات التفزيون وتأثيرها على المجتمع والفارق بين المنجم والفلكي، رابعا: حقيقة التنجيم وأحكامه وموقف الشرع من الأبراج، رابعا: التاصيل العلمي لقضايا التنجيم والاعتقاد، خامسا: المعتقدات الفلكية وتأثيرها على الثقافات المختلفة.
يذكر أن مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي بمجمع البحوث الإسلامية قد تم إنشاؤه بموجب بروتكول تعاون بين مجمع البحوث الإسلامية وجامعة الأزهر مع وكالة الفضاء المصرية، بهدف استحداث ونقل علوم تكنولوجيا الفضاء وتوطينها وتطويرها وامتلاك القدرات الذاتية لبناء الأقمار الصناعية وإطلاقها من الأراضى المصرية وذلك فى إطار التعاون المشترك بين قطاعات الأزهر الشريف مع غيرها من مؤسسات الدولة المختلفة، خاصة ما يتعلق منها بجوانب علمية وتخصصية.