بقلم- محمد الغريب
“بنشتري راجل” ربما كانت كلمة تراثية عرفها المصري لترسخ هذا المشهد العبثي للمقبلين على الزواج، فمنذ أن تطأ قدماك عزيزي الشاب صالة ولي العروس – في انتظار ما تسفر عنه مفاوضات العُرس أو عريضة الطرد. فأنت حين تمر على مسامعك هاتين الكلمتين- خاصة من حماتك المستقبلي- أصبحت بمثابة عفريت العلبة أو الفانوس السحري الذي أتى ليُلبي أمنيات السيد الوالد والسيدة الوالدة، بعد أن نجحت في تحقيق مرادك من العروس.
كلمتان كفيلتان بتثبيتك وتثبيت ذوي القربى ممن أتوا لكي “يفرحوا فيك”، قادرتان على أن تجعلك كعضو في البرلمان تبارك وتؤيد ما يطرح على أذنيك دون أن يكون لعقلك دور في نقد أمور ستقع في شراكها ما أن تستفيق من غيبوبتك، وفي الوقت الذي أنت تتأهب لقراءة الفاتحة عليك أن تقر أولاً بأنك الوليد بن طلال في رواية أحدهم، وعمر بن الخطاب في رواية آخر، عليك عزيزي أن تلبي ما عجزت عنه اقتصاديات الدول وانهارت تحت قدميه أعتى شركات الصرافة والذهب.
لا تجادل ولا تناقش فقط استمتع بلحظات قد تدفعك إلى الأمام نحو مستقبل كلون بدلتلك المفضل، فلربما تكون في عداد الموتى أو في أروقة المحاكم، وقد يحالفك الحظ رهيناً في قسم الشرطة، قد تتمنى الموت فلن تجده، وقد تتمنى لو شلت قدماك أو قطعت أنامل يدك وشل لسانك قبل أن تقع في غياهب الحب لتمضي إقرار على نفسك بأنك تستحق الإعدام والتشرد بسبب قلبك تعففاً، فأنت بعد تلك العبارة الناقصة مطالب بشقة تفوق مستوى أحلامك وممتلكات عائلتك وعائلة من ترتبط بها، مشغولات ذهبية بشقيها مجلوب ومكتوب، عُرس في مكان فاخر، شهر ربما يكون الأخير في وصفه وحقيقته (شهر العسل)، خلافات وتحكمات ثم طلاق، فمؤخر وقائمة وخلافه، رحلة في نهايتها قد تكون المصحة النفسية أقل من أن تعيد إليك توازنك وسلامك النفسي كسلعة تم شرائها بكلمتين.
في مقابل تلك الجماعة التي تأبى وصف المرأة بالسلعة لا تتوقف عن جعلها أمراً تتفوق عليه السلع إطلاحاً ولغة في معاجم العرب والغرب على حد سواء، فللسلع مكانتها في قلب المشتري والبائع معاً ما يجعل الأخير متمسكاً بزيادة الطلب عليها والأول مُلحاً في الوفاء لها بأعلى قيمة، ومع انتشار مصطلحات:”زواج مش فرض ولا نص دين.. زواج تجربة.. قائمة منقولات زوجية.. اغتصاب الزوجية.. إلخ” بات المشهد الثقافي المتصدر في الوقت الراهن مدعاة للقلق بشأن بدائل الزواج ومستقبل الذكور والإناث في هذا العالم المتناقض في كلا القطبين.
لست أدري كيف لهؤلاء الرافضين لتسليع المرأة أن يقصروا قيمتها في الأموال وكأنها أعلى المراتب وأسماها في إقامة السكنى ونشر السكينة ويدعون أنها ليست للبيع لأعلى ثمن؟!، كيف لهؤلاء المدعين أن يغرسوا مفاهيم انعدام الثقة في نجاح أي علاقة مستقبلية لتكبل وتقيد طرفاً لصالح آخر بزعم التغيير؟!، لا أعلم كيف وصل بنا الأمر إلى أن تكون الدياثة عصرية والغيرة عيباً يستوجب الخلع؟!، أسئلة كثيرة لن تكف السطور التالية سردها ولكني سأحرص على الإجابة المختصرة فيما نراه من شواهد تنبأ بأن الزواج لن يكون مرحباً به في المستقبل وأن البدائل باتت مثلية في بعضها وشاذة في الأخرى ليتحلل الجميع من قيود الميثاق الأغلظ على سطح هذا الكوكب. نعم الزواج ليس فرضاً وهي حقيقة يراد بها باطل، فالزواج أسمى من أن يكون فريضة فهو الفطرة والغريزة التي جعلها الله في كل نفسٍ حيوانية كانت أو آدمية، هو علاقة تكاملية ودمج لذكر خرجت من بين أضلعه أنثى لا يستقيم ولا تستقيم دون تحققه، عمارة ورسالة ما خلقوا إلا ليكونوا على وفاء بها، هو تتويج للحب بصورة مقدسة ومشروعه.
وقبل أن أرحل بفكري عن مسألة أينا كان سلعة حقيقة ومن منا كان زبوناً بلغة سوق المهور، أود أن أشر إلى حقيقة لن تضل وسط تراهات وأكاذيب ومزاعم المثلية الجنسية ألا وهي أن حواء ما وجدت إلا ليأنس بها آدم في وحشة الجنة والأرض، وما كان لآدم أن يقوى على الحياة دونها، افعلوا ما شئتم فلو كان مشفوعاً لسبقكم إليها قوم لوط.