فى أى زمان ومكان، لابد من أن يكون هناك باستمرار، مصاعب وتحديات مختلفة ومتفاوتة تتجاوزها بنجاح، مهما بلغت شدتها وخطورتها الأمم المتسلحة بالأخلاقيات والمعارف وقوة عزيمتها فى مواجهة المخاطر، ويعد الخطر الارهابى، قديما وحديثا ومستقبلا من أخطر هذه المشاكل والعوائق، التى من الممكن أن تضرب أى دولة مهما بلغت من قوة وتحضر.
كان حادث الحادى عشر من سبتمبر فى أمريكا، خير دليل على ذلك، فالارهاب غالبا لايستهدف الا الدول التى تملك قرارها السياسى ومؤثرة فى منطقتها الجغرافية والعالم اجمع .
ومن المؤسف أنه تم التعامل مع تلك الأحداث، من قبل الصحف والاعلاميين والمفكرين، بمنتهى السلبية مما استغله البعض فى تأجيج نار الفتنة بين اطياف الشعب المصري أكثر من اخمادها، فمثل هذه الحوادث لايمكن أن تعالج إلا بنشر الحقيقة ومراعاة مصلحة الوطن اولا واخيرا
الارهاب تدعمه وتموله منظمات ودول لها أجندة ومصالح من وراء هذا، ولذلك كان من الطبيعى، عاجلا أم أجلا مع كل أسف، وقوع تلك الجريمة الشنيعة والمؤلمة، التى استهدفت الحافلة المتجة إلى دير الأنبا صموئيل بالمنيا.
ومن حيث توقيت ومكان وقوعها، فهى بالطبع قصدت الأقباط بشكل مباشر، فمن كانوا خلف ذلك العمل الاجرامى، هدفوا الى إثارة التفرقة الدينية فى البلاد، وبالاضافة الى زرع الشك والخوف، بين صفوف المسيحيين، ولكن فى نفس الوقت كان هناك الكثير من المسلمين، الذين تفهموا جيدا ما جرى، وقاموا فى منتهى الأصالة والشهامة، بمؤازرة الضحايا وأهاليهم ، وتقديم كل ما يلزمهم من مساعدات، كانت أهمها إقدامهم، على التبرع بدمهم للمصابين، التى بدأت عقب الحادث الأليم بشكل فورى وتلقائى منهم، وهذا دليل قوى على انه مازال النسيج المصرى متماسك ولن يقبل لأحد بأن يقوم بتفرقته.
ولكن هناك مشكلة أساسية الآن، تكمن فى العديد من الأفراد، الذين يعانون من تخلف أخلاقى وفكرى، ولهذا أصبح كل طرف من هؤلاء، يتصرف ويتعامل مع مختلف الأمور والعقبات على حسب ميوله أو مذهبه فقط، وبالتالى انتشر التطرف والتعصب الأعمى، ونتج عن هذا إنتشار الشغب العنيف والمتزايد ، فى ملاعبنا الرياضية والمناوشات الكلامية الدائمة، بين الكثير من الشباب والاعلاميين، لاثبات حبهم وولائهم التام لفنان او شخصا ما، وأيضا ازدياد التشدد فى الأوساط الاسلامية والمسيحية
فما سبق وغيرها من السلبيات الكثيرة التى شهدتها مصر فى الفترة الأخيرة، وذلك طبعا ليست مجرد تزامن أو صدف ولكنها تعبر عن تزايد انحدار المستوى الثقافى والأخلاقى لدى الغالبية، وبالتالى اذا استمر النظر الى تلك القضايا بمنظور ضيق ومستقل، فمن المؤكد انه ستزداد سريعا تلك المصادمات والاهانات الحالية، المتكررة والمتبادلة بين أطراف عديدة سواء فى الجانب، الرياضى أو الاعلامى أو الدينى أو غيره من الجوانب،
ولهذا من الضرورى والواجب على كل مصرى أصيل وعاشق حقيقى لوطنه، أن يترجم هذا الى أفعال حقيقية من خلال انه يبدأ جديا ، فى الاصلاح من نفسه أولا، قبل أن يلقى اللوم على غيرة او الحكومة أو اى شخصا ما، فى جميع القضايا والأزمات التى تحدث حتى لو كان على حق، فى كثير من الأوقات، و يجب عليه أيضا، نبذ وتجاهل أى دعوات تحمل أفكار متعصبة ومتطرفة، أو ظواهر وتصرفات بعيدة عن العقل والدين، فاذا تسلحت الأغلبية هنا بالحب والعلم، فمن المؤكد انه سيعود مرة أخرى، الوفاق الجميل والاحترام المتبادل بين مختلف الأطراف كما كان من قبل، وسيكون بمقدورهم الوقوف صفا واحدا ضد جميع العقبات أو الكوارث مهما كانت فداحتها وقسوته
بقلم : كريم كوكب