كتب: جميلة الشويخ
انطلق حفل افتتاح أسبوع القاهرة الخامس للمياه المنعقد تحت عنوان ” المياه في قلب العمل المناخى” ، والذي يقام تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية ، وحضور عدد كبير من الوزراء والوفود الرسمية وكبار المسئولين في قطاع المياه والعلماء والمنظمات والمعاهد الدولية ومنظمات المجتمع المدني والسيدات والمزارعين والقانونيين من مختلف دول العالم ، بحضور أكثر من (١٠٠٠) مشارك ، ومشاركة عدد (١٦) وفد وزارى و (٥٤) وفد رسمى و (٦٦) منظمة دولية.
وشرف حفل الافتتاح بكلمة للرئيس عبد الفتاح السيسي ، والتى أوضح فيها أن أسبوع القاهرة للمياه الذى تنظمه مصر سنوياً قد أصبح منصة إقليمية ودولية فاعلة لدعم الحوار حول قضايا المياه ، في إطار جهود تعزيز السلم الدولى والتنمية المستدامة ، ويأتى إسبوع القاهرة للمياه هذا العام تحت عنوان : “المياه في قلب العمل المناخي” ، وذلك في خضم نقاشات دولية تستهدف تكثيف التحرك الدولى بشأن قضايا المياه والمناخ وصولاً للقمة العالمية للمناخ المقرر عقدها بشرم الشيخ في شهر نوفمبر المقبل.
وأضاف أنه لطالما كانت المياه منذ بدء الخليقة واهبة الحياه على كوكب الارض والركيزة الأساسية لتطور الحضارة ، غير أن التطور المتسارع للحضارة الحديثة قد زاد من الضغوط على الموارد المائية المتاحة ، حتي وصلت البشرية لمرحلة حرجة يواجه فيها العديد من البلدان تحديات متزايدة لتوفير الإحتياجات الأساسية من المياه ، وقد استمر الغذاء هو المحور الأكبر للإستخدامات المائية عالمياً ، وعلى ضوء ما يتوقع من إزدياد إحتياجات الغذاء بنسبة ٦٠ % بحلول عام ٢٠٥٠ ، فقد بات واضحاً أنه لا إنفصام بين تحديات الماء والأمن الغذائي ، كما جاء تغير المناخ ليفاقم من هذا التحدي المزدوج ، لا سيما في الدول التى تعاني من ندرة مائية ، بما قد يؤدى لتبعات سلبية خطيرة على السلم والأمن إقليميا ودولياً.
وتابع : كان قدر مصر أن تقع في قلب تلك التحديات الثلاثة المتشابكة : تحديات الأمن المائي والغذائي وتغير المناخ ، فمصر من أكثر الدول جفافاً في العالم ، وتعتمد على نهر النيل بشكل شبة حصري لمواردها المائية المتجددة ، والتى يذهب حوالى ٨٠% منها الى قطاع الزراعة ، مصدر الرزق لأكثر من ٦٠ مليوناً من البشر هم نصف سكان مصر ، وعلى ضوء هذه الندرة المائية الفريدة من نوعها ، فإن موارد مصر المائية صارت تعجز عن تلبية إحتياجات سكانها ، بالرغم من أتباع سياسة لترشيد الإستهلاك من خلال إعادة الإستخدام المتكرر لمياه الرى الزراعي على نحو جعل معدل الكفاءة الكلية لإستخدامها في مصر واحداً من أعلى المعدلات في أفريقيا ، وتؤدي تداعيات تغير المناخ لتفاقم آثار الندرة المائية على الرقعة الزراعية بمصر ، والتي تتأثر بالتبعات السلبية لتغير المناخ التي تحدث داخل حدودها وكذا في سائر حوض النيل ، لكون مصر دولة المصب الأدنى به، وبناءاً على تلك المعطيات كان ضروريا أن تتبنى مصر مقاربة شاملة بغرض التعامل الناجح مع تحديات الأمن المالي والغذائي وما يرتبط بذلك من تحديات مناخية ، باعتبار ذلك مسألة أمن قومي لمصر.
وعلى الصعيد الوطني .. انتهجت الدولة “الإستراتيجية الوطنية لإدارة الموارد المائية” التي تهدف لتوفير مياه الشرب وتحسين نوعيتها ، وترشيد الموارد المائية وتنميتها بكافة الوسائل الممكنة ، كما تبنت مصر سياسة للأمن الغذائي توازن بين الإنتاج المحلي والواردات الغذائية ، وقد تمكنت مصر بفضل ذلك من الحفاظ على أمنها المائي والغذائي في ظل أزمات عالمية وإقليمية.
وعلى الصعيد الإقليمي، كانـت مـصـر دومـاً في تعاملها مع نهر النيـل رائـدة للـدفع بقواعد ومبادئ القانون الدولي ذات الصلة بالأنهار المشتركة ، وفي مقدمتها التعاون والتشاور بغرض تجنب التسبب في ضرر في إطار إدارة الموارد المائية العابرة للحدود ، وهي القواعد والمبادئ الحتمية لضمان الإستخدام المشترك المنصف لتلك الموارد.
وينطلق موقف مصر من إقتناعها بأن الإلتزام بروح التعاون والتوافق على مساحات المصالح المشتركة هو السبيل الوحيد لتجنب الآثار السلبية التي قد تنجم عن الإجراءات الأحادية في أحواض الأنهار ، وهو ما أثبتته أفضل الممارسات الدولية بما في ذلك في أفريقيا.
كما ينطلق موقف مصر أيضـاً مـن كونها تتشارك ذات المسعي للتنمية مع مختلف الدول النامية ، وتؤمن بضرورة تجنب أي تداعيات سلبية قد تنجم عن مشروع تنموي في دولة نامية تتأثر بها دولة نامية أخرى وتؤذيها على نحو لا يمكن احتواؤه ، ونحن نحلم بالسعي المشترك لتعظيم ثروة حوض النيل لينعم بها جميع دول الحوض ، وذلك بدلاً من التحرك فرادي متنافسين على نحو غير تعاوني ، بما يسفر عن تنمية محدودة وقاصرة في حجمها ونطاقها على نحو يزعزع إستقرارهم.
وأضاف الرئيس في كلمته أن رؤيتنا الراسخة هي العمل معاً بغرض تكريس وتقاسم الإزدهار بدلاً من التنافس والتناحر الذى يؤدى إلى تقاسم الفقر وعدم الاستقرار ، وإدراكاً منا لخطورة هذه القضية وإنطلاقاً من أهميتها الوجودية لنا ، فإن مصر تجدد إلتزامها ببذل أقصى جهودها لتسوية قضية سد النهضة على النحو الذي يحقق مصالح جميع الأطراف ، وتدعو المجتمع الدولي لتعظيم وتضافر الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف العادل .
أما على الصعيد الدولي فقد حرصت مصر على الإنخراط النشط في كافة المحافل ذات الصلة والدفع بضرورة تضافر الجهود لتنفيذ الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة على نحو متكامل ، واتصالاً بذلك تتطلع مصر باهتمام كبير لمؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة منتصف المدة للعقد الدولي للمياه المقرر عقده في شهر مارس ۲۰۲۳ ، حيث تعد هذه الدورة من إسبوع القاهرة للمياه إحدى الفعاليات الأساسية تحضيراً له.
وتوجه الرئيس بالدعوة للمشاركة في فعاليات القمة العالمية للمناخ COP27 التي تستضيفها مصر بمدينة شرم الشيخ في شهر نوفمبر القادم ، والتي ستطرح مصر خلالها مبادرة “العمل على التكيف مع المياه والقدرة على الصمود” والتي يتم التنسيق بشأنها مع المنظمة الدولية للأرصاد الجوية ، حيث من المقرر أن تستضيف مصر في هذا الإطار مركزاً أفريقياً “للمياه والتكيف مع المناخ”، وذلك لدعم القدرات الأفريقية في هذا المجال الهام.
وألقى هانى سويلم وزير الموارد المائية والري كلمة رحب فيها بجميع الحضور فى مصر التى تستضيف للعام الخامس على التوالى هذا المؤتمر الدولى الهام المعنى بقضية المياه ، مشيراً إلى أن هذا الحدث يُعد هذا العام حدثاً تحضيرياً هاماً لأنشطة المياه بمؤتمر المناخ COP27 ، مما يتيح الفرصة للقاء الأشقاء من مختلف الدول والمنظمات ذات الإهتمام المشترك بقضايا المياه لتوحيد الرؤى والجهود حيال دمج قضايا المياه بملف التغيرات المناخية، وهو الأمر الذي يعكس أهمية ملف “المياه والتغيرات المناخية” كملف حيوى ومصيرى للدولة المصرية وتطلعها الدائم للتواصل مع شركائها في هذا الشأن ، وأن مصر تسعى من خلال تنظيم هذا الحدث الهام لتعزيز أواصر التعاون والتبادل العلمي والتقني ورفع الوعي بقضايا المياه وتشجيع الأفكار المبتكرة لمواجهة التحديات التي يواجهها قطاع المياه الذي يقترن وجوده بوجود الحياة.
وأشار إلى إسبوع القاهرة للمياه يتبنى منذ عامه الأول العديد من الأنشطة في الموضوعات المتعلقة بالمياه والتنمية المستدامة وذلك بهدف خلق الوعي المجتمعي ومشاركة كافة الفئات في الفعاليات بدءاً من طلاب المدارس وصولاً إلى الخبراء والعلماء والسياسيين والتنفيذيين.
وأضاف أن مصر حرصت منذ فجر التاريخ على ترسيخ وتعظيم قيمة وأهمية نهر النيل في وجدان المصريين الذين تفننوا في إدارته وإتخذوا من الإجراءات ما يضمن إستدامه عطاءه بالكم والكيف الذى يُعظم من الفوائد ويحد من المخاطر ، حيث سلك المصريون درب آبائهم وأجدادهم في الحفاظ على المياه من خلال الإدارة المتكاملة للموارد المائية والمحافظة عليها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بما يلبي الإحتياجات المختلفة لكل القطاعات في ظل وضع مائي يضمن فقط ٥٣٠ متر مكعب للفرد خلال العام مما يضع المواطن المصري ضمن دائرة الفقر المائي ، مشيراً لإعتماد مصر بصفة أساسية على نهر النيل الذي ينبع من خارج الأراضي المصرية مما يحد من إمكانية تنمية مواردها المائية ، لذا تحاول الدولة تقليل الفجوة بين الموارد المائية المتاحة والإحتياجات المتصاعدة من خلال إعادة تدوير المياه التي تمثل نحو ٣٣ % من إجمالي الموارد المتجددة ، بالإضافة لإستيراد مياه إفتراضية في صورة سلع غذائية لسد باقي العجز ، بما يمثل حوالى ٥٦ % من مواردنا المائية.
وتمثل التغيرات المناخية تحدياً إضافياً نظراً لزيادة الإحتياجات المائية نتيجة لإرتفاع درجة الحرارة ، فضلاً عن الإرتفاع المتوقع لمنسوب سطح البحر مما قد يتسبب في غرق مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية فى شمال الدلتا فضلاً عن تدهور نوعية المياه الجوفية نتيجة لتداخل مياه البحر مع الخزان الجوفى وما يتبعه من آثار بيئية وإجتماعية وإقتصادية جسيمة تتطلب إتخاذ إجراءات عاجلة للتكيف مع التغيرات المناخية وتنفيذ خطة متكاملة لحماية السواحل المصرية وعلى وجه الخصوص دلتا نهر النيل ، ومن هنا جاء اختيار موضوع إسبوع القاهرة الخامس للمياه وهو ” المياه في قلب العمل المناخي” ليعكس تلك التحديات ويطالب المجتمع الدولي بضرورة وضع ملف تكيف قطاع المياه مع التغيرات المناخية على رأس أولويات كافة المنظمات والمؤسسات التي تعمل في مجال تغير المناخ حيث أن قضية التغيرات المناخية باتت من أهم القضايا التي تواجه الإنسان في العصر الحديث لما لها من تأثير بالغ على تغيير نمط حياته وكافة خططه المستقبلية.
وأشار سويلم أن دول العالم النامي خاصةً فى إفريقيا وبعض الدول العربية تعاني من الفقر وإنخفاض معدلات التنمية ، ونقص إمدادات مياه الشرب ، ونقص الكهرباء والطاقة ، وعدم إمتلاك القدرات الفنية القادرة على إنتاج تكنولوجيا حديثة ، بالإضافة لنقص الكوادر الفنية القادرة علي التعامل مع تلك التحديات ، فضلاً عن ضعف التمويل الموجه لقطاع المياه ، وغياب آليات تدعم التعاون الإقليمي العابر للحدود ، الأمر الذى دفع مصر لدعوة منظمة الأمم المتحدة بضرورة أن يتضمن مؤتمر مراجعة منتصف المدة للعقد الدولى للمياه المزمع تنظيمه في نيويورك ٢٠٢٣ وضع تلك التحديات والحلول المقترحة لمواجهتها ضمن خطة العمل ، وفى هذا السياق .. أعلن الدكتور سويلم عن وثيقة عمل (نداء القاهرة) والتي تهدف لتشجيع كافة الدول على تسريع وتيرة تحقيق الأهداف الأممية وتعتبر نقطة الانطلاق لإعداد مبادرة خاصة بندرة المياه يتم تقديمها لمؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة منتصف المدة.
وفى كلمته أضاف سويلم أن ندرة المياه تحتم على الدولة المصرية أن تبذل قصارى جهدها من أجل تحقيق متطلبات التنمية لأكثر من ١٠٥ مليون مصري يعيشون على الأراضي المصرية ، ولذلك تنادي القاهرة بضرورة إعداد برنامج محدد يوجه للدول التي تعاني من الندرة المائية لشحذ الجهود الدولية لمساندة تلك الدول في مواجهة الندرة المائية في ظل التحديات الناجمة عن تأثير التغيرات المناخية ، مشيراً لتعهد الدولة المصرية بالعمل على الحد من تأثيرات التغيرات المناخية على قطاع المياه ، حيث تقوم وزارة الموارد المائية والري بتنفيذ العديد من المشروعات الكبرى في مجال المياه ، حيث يجرى العمل على تأهيل آلاف الكيلومترات من الترع ، لإعادة الترع لوظيفتها الأساسية وهي توصيل المياه للمزارعين بالكمية وبالجودة المناسبة للري وفى التوقيت المناسب للنبات ، كما تم تنفيذ مشروعات كبرى في مجال معالجة وتدوير المياه ، مثل محطة معالجة المياه في بحر البقر والتي تم نهوها بطاقة ٥.٦٠ مليون م٣/ يوم لتحويل الأراضي الصحراوية في شمال و وسط سيناء إلى أراضي زراعية خضراء منتجه ، كما يجرى تنفيذ محطة معالجة المياه بالحمام بطاقة ٧.٥٠ مليون م٣/ يوم ضمن مشروع الدلتا الجديدة ، حيث تهدف مشروعات معالجة المياه إلى إستصلاح مساحات جديدة من الأراضي الزراعية إعتماداً على مياه الصرف الزراعي المعالجة وتُعد مثالاً للإدارة الرشيدة للمياه في مصر ، كما تُعتبر نموذجاً لمشروعات التنمية الشاملة التي توفر الآلاف من فرص العمل.
علاوة على ذلك تقوم الدولة المصرية بالعديد من الإجراءات لوضع قضايا المياه على رأس أجندة العمل المناخي سواء من خلال إسبوع القاهرة الخامس للمياه أو من خلال فعاليات المياه المزمع تنظيمها تحت مظلة مؤتمر المناخ القادم COP27 ، بهدف الخروج بتوصيات للإسراع من إجراءات التخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية ووضع الخطط المستقبلية لتقليل الانبعاثات وتوفير التمويل اللازم لمشروعات التخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية ، حيث ستقوم مصر بطرح مبادرة دولية للتكيف بقطاع المياه خلال المؤتمر بالتعاون مع العديد من الوزارات المصرية والشركاء الدوليين ، تشتمل على محور لرفع كفاءة إستخدام المياه من خلال ترشيد الإستخدامات ، وتحث على أهمية الاتفاق على السياسات وآليات التعاون في كافة الأنشطة المعنية بالمياه ، والربط بين أجندتي المياه والمناخ بما يُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأكد أن تعزيز التعاون في مجال المياه العابرة للحدود يعتبر أحد أولويات الدولة المصرية فى إدارة مواردها المائية حيث يحظى التعاون الثنائي والإقليمي مع دول حوض النيل بأولوية كبرى ، فعلى المستوى الثنائي تدعم مصر مشروعات التنمية بدول حوض النيل من خلال مشروعات تنموية تعود بالنفع المباشر على مواطني الحوض كحفر آبار المياه الجوفية ، وإزالة الحشائش في المجاري المائية ، وسدود حصاد مياه الأمطار فضلاً عن برامج رفع القدرات البشرية.
وأضاف أنه على الصعيد الاقليمي تتولى مصر رئاسة مشروع إقليمياهام تحت مظلة المبادرة الرئاسية لتنمية البنية التحتية بإفريقيا بريادة السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي لإنشاء خط ملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط ، حيث يهدف المشروع لدعم التكامل الاقتصادي في حوض النيل من خلال رفع مستوى التبادل التجاري و السياحي ونقل البضائع والأفراد بوسيلة نقل رخيصة نسبياً وآمنة.