العدالة المزيفة.. تحقيقات قانونية تكشف تجاوزات محكمة المواطنين العالمية وسينما من أجل السلام

 

كتب: السياسي

تشهد مؤسسة “فيلم من أجل السلام” جدلًا واسعًا بسبب محكمتها التابعة “محكمة المواطنين العالمية”، والتي أثارت انتقادات لعدم تسجيلها ككيان قانوني مستقل، وإساءة استخدامها للعناوين والأسماء الخاصة، فضلاً عن انتهاكها للقوانين الألمانية المتعلقة بالإفصاح عن المعلومات والمنافسة غير العادلة.

“محكمة المواطنين العالمية” ليست كيانًا قانونيًا مسجلًا
كشف التقييم الداخلي لمؤسسة “فيلم من أجل السلام” أن استمرار “محكمة المواطنين العالمية” في العمل دون تسجيلها ككيان مستقل قد يؤثر سلبًا على سمعة المؤسسة. في اجتماع بين المدير جاكا بيزلي والمحامية أولريكه من شركة جنكل القانونية في برلين، تم مناقشة الحاجة الملحة لتسجيل المحكمة ككيان قانوني.

في 8 أبريل 2024، أرسل موظفو المحكمة بريدًا إلكترونيًا إلى المحامية أولريكه لترتيب لقاء مع بيزلي، الذي كان من المقرر أن يصل إلى برلين في اليوم التالي.

والهدف من اللقاء كان مناقشة الخطوات اللازمة لتسجيل المحكمة ككيان مستقل لتجنب أي جدل قد يؤثر على مؤسسة “فيلم من أجل السلام”. ومع ذلك، حتى يونيو 2024، لم تكن هناك أي تسجيلات قانونية تحت اسم “محكمة المواطنين العالمية” في الدوائر الرسمية الألمانية مثل مكتب التسجيل التجاري وسجل الجمعيات.

انتهاكات قانونية متعددة

على الرغم من عدم تسجيلها، تواصل “محكمة المواطنين العالمية” استخدام اسم “محكمة” وتقوم بأنشطة قضائية تشمل “مدعين عامين” و”قضاة” لإصدار قرارات وبث جلسات المحكمة عبر منصات التواصل الاجتماعي. يرتدي الأشخاص المعنيون ملابس رسمية مشابهة لتلك التي يرتديها القضاة والمدعون العامون الألمان، مما يثير الشبهات بانتهاك عدة أحكام قانونية ألمانية.

انتهاك قانون العقوبات الألماني

تُشتبه “محكمة المواطنين العالمية” في انتهاك المادة 132 من الفصل السابع من قانون العقوبات الألماني، الذي يجرم الاستخدام غير الصحيح للألقاب والأسماء الرسمية والارتداء غير المصرح به للزي الرسمي. هذه الأفعال قد تعرض المسؤولين لعقوبات تصل إلى السجن لمدة عام أو دفع غرامة.

انتهاك قانون مكافحة المنافسة غير العادلة

كما تُشتبه المحكمة في انتهاك المادة 5 من قانون مكافحة المنافسة غير العادلة الألماني، الذي يمنع التأثير على الآخرين من خلال تزوير الأسماء الرسمية أو الدرجات الأكاديمية أو الألقاب لتحقيق مكاسب غير عادلة.

انتهاك قانون الخدمات الرقمية

وتعرف “محكمة المواطنين العالمية” نفسها على لينكدإن كمنظمة غير ربحية، لكنها غير مسجلة ككيان قانوني، ولا يتضمن موقعها الرسمي سوى رقم هاتف وبريد إلكتروني دون ذكر العنوان الحقيقي للمنظمة. يُشتبه في أن هذا السلوك ينتهك المادة 5 من قانون الخدمات الرقمية الألماني، الذي يتطلب الإفصاح الكامل عن المعلومات على الموقع الإلكتروني، ويعاقب على عدم الامتثال بغرامة تصل إلى 50,000 يورو وإنذار من السلطات الألمانية.

وتواجه “محكمة المواطنين العالمية” التابعة لمؤسسة “فيلم من أجل السلام” انتقادات لاذعة وتحقيقات قانونية محتملة بسبب عدم تسجيلها ككيان مستقل وانتهاكاتها المحتملة لعدة قوانين ألمانية، وهذا الجدل قد يعرض المؤسسة لأضرار جسيمة في سمعتها ويضعها تحت المجهر الإعلامي والقانوني في الفترة المقبلة.

القصة من البداية.. “سينما من أجل السلام” أداة لتشويه المقاومة الفلسطينية

وبالعودة إلى تاريخ المنظمة نفسها، فقد أثار الدور المتنامي لمؤسسة “سينما من أجل السلام”، التي تتخذ من برلين مقرًا لها، جدلًا واسعًا في الأوساط الفلسطينية والدولية. فبينما تدعي المؤسسة أنها تعمل لدعم المشاريع السينمائية التي تتناول القضايا الإنسانية والبيئية، يتهمها النقاد بأنها أداة سياسية تستخدم لترويج الرواية الإسرائيلية وتشويه صورة المقاومة الفلسطينية.

كما منحت مؤسسة “سينما من أجل السلام” فيلم “غولدا” جائزة أفضل فيلم لهذا العام. الفيلم الذي يمجد إرث الزعيمة الصهيونية ورئيسة وزراء إسرائيل الرابعة، غولدا مائير، اعتبره النقاد دعاية إسرائيلية نموذجية تتجاهل الوجود الفلسطيني والمعاناة تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي.

هذا التكريم جاء في إطار سلسلة من الأنشطة التي تثير تساؤلات حول الأجندة الحقيقية للمؤسسة.

هيلاري كلينتون ..وانعدام المصداقية

وكانت قد أثارت مؤسسة “سينما من أجل السلام” جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية والحقوقية بعد استضافتها لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في برلين في 19 فبراير 2024،، للحديث عن الحريات والديمقراطية، وللترويج لشركة إنتاج الأفلام التي تديرها مع ابنتها تشيلسي كلينتون. وكرمتها المؤسسة عن “عملها في الدفاع عن السلام والديمقراطية في جميع أنحاء العالم”، وفق ما جاء على موقعها الإلكتروني.

وهي الفعالية التي جاءت في ظل استمرار حرب الإبادة على غزة، مما يطرح تساؤلات حول مصداقية المؤسسات الغربية في الدفاع عن حقوق الإنسان، لذا لم تمر توصيفات المؤسسة للأدوار السياسية والثقافية المزعومة لكلينتون مرور الكرام.

واستغلت كلينتون تكريمها لتكرر الدعاية الإسرائيلية بأن هجمات السابع من أكتوبر كانت “أكبر اعتداء على اليهود بعد الهولوكوست”، وأن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”، وأعربت عن عدم تفاجئها من عدد الضحايا الكبير في غزة، قائلة إن “هذا من طبيعة الحروب”.

احتجاجات وغضب مناصري فلسطين

قوطعت كلينتون سبع مرات من قبل نشطاء مناصرين لفلسطين في القاعة، حيث واجهوها بحقائق ما يجري على أرض فلسطين من قتل وتجويع وحصار، وهتفت إحدى الناشطات: “إسرائيل لا تدافع عن نفسها، بل إنها الإبادة الجماعية التي تمولونها”.

وأضافت، بينما حاول رجال الأمن إسكاتها وإخراجها من القاعة: “الآن تتحدثين عن السينما من أجل السلام. نحن نشاهد سينما الإبادة الجماعية… فلسطين حرّة”.

وعبّر النشطاء عن اعتراضهم على استمرار المؤسسات والأكاديميات الألمانية في دعوة الشخصيات السياسية والثقافية التي تروّج لدعاية الاحتلال، بينما تمتنع عن استضافة أي شخصية فلسطينية أو مدافعة عن الحق الفلسطيني.

ومن المفترض أن مؤسسة “سينما من أجل السلام” معنية بتمويل ودعم المشروعات السينمائية المتعلقة بـ”المسائل الإنسانية وقضايا الحريات”. إلا أن مشاركتها في تقديم أول فيلم وثائقي أنتجته شركة كلينتون عام 2023، وتصريحاتها المتحيزة، تؤكد انحيازها وترويجها لدعاية الاحتلال.

وأنشأت المؤسسة سنة 2011، من خلال صندوقها، جمعية “مكتبة أفلام الإبادة الجماعية”، لتتبع قصص الناجين من ضحايا التطهير العرقي في البوسنة والهرسك، لكنها تغفل تماماً عن ذكر الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة.

ورغم إشادة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس بالمؤسسة بمناسبة مرور عشرين عاماً على تأسيسها، إلا أن القائمين على المؤسسة لم يبدوا أي اهتمام بتصريحاته منذ الأسابيع الأولى للعدوان على غزة حول تدهور الوضع الإنساني في القطاع.

وأشار غوتيريس إلى المخاطر الجسيمة على سلامة أكثر من مليوني شخص، محذراً من المجاعة وآثار العقاب الجماعي للمدنيين الأبرياء.

تحركات المؤسسة ومحاولات التشويش

أكدت مجموعة من القيادات الفلسطينية رفضها لتحركات مؤسسة “سينما من أجل السلام” وكيانها الوهمي الجديد “محكمة مواطني العالم” التي تهدف إلى محاكمة وإدانة حركات المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس، على خلفية أحداث السابع من أكتوبر.

ووصف محمود طه، مسؤول العلاقات الإعلامية بحركة حماس، المؤسسة بأنها تدعم الإرهاب الإسرائيلي وتغض الطرف عن 75 عامًا من الاحتلال والمجازر ضد الفلسطينيين.

من جانبه، أوضح الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية والقيادي بحركة فتح، أن تحركات المؤسسة تأتي في سياق محاولات للتشويش على الجهود الدولية، خاصة بعد أن قدمت جنوب إفريقيا مذكرة إلى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل. الرقب أشار إلى أن المؤسسة تتلقى دعمًا من الولايات المتحدة وإسرائيل، وتعمل على الترويج لأجنداتها السياسية.
تواطؤ المنظمات والمؤسسات الغربية

يشير تحليل أوسع إلى تواطؤ العديد من المؤسسات والمنظمات الغربية مع العدوان الإسرائيلي. فرغم ادعائها الدفاع عن الحقوق المدنية وحقوق الإنسان، فشلت هذه الجهات في إيقاف حرب الإبادة في غزة أو التخفيف من حدتها، بل تساهم في إلغاء الفلسطينيين ومنع مشاركتهم في الحديث عن قضيتهم.

وهذا ما أكدته التحركات الأخيرة لمؤسسة “سينما من أجل السلام”، التي تستمر في استضافة شخصيات سياسية تدعم العدوان بينما تمتنع عن استضافة أي شخصية فلسطينية أو مدافعة عن الحقوق الفلسطينية.

دور الفنانين في مواجهة المؤسسة المشبوهه

دعا عمرو الراعي، رئيس رابطة الفنانين الفلسطينيين، إلى ضرورة توضيح حقيقة مؤسسة “سينما من أجل السلام” التي تدعي العمل عبر الفن لتحقيق أهداف سياسية غير إنسانية. وأكد الراعي على قدرة الفنانين والإعلاميين الفلسطينيين على مواجهة هذه التحركات من خلال تجميع جهودهم وشتاتهم لخدمة القضية الفلسطينية.

وأخيرًا، تشهد الساحة الفلسطينية موقفًا موحدًا في رفض مؤسسة “سينما من أجل السلام” وتحركاتها، مع تأكيد القيادات على ضرورة مواجهة هذه المؤسسة التي تتهم بدعم الإرهاب الإسرائيلي وتعمل على تشويه صورة المقاومة الفلسطينية. تتعاظم الحاجة إلى فضح الأجندات الخفية لمثل هذه المنظمات، وتسليط الضوء على الحقيقة المرة التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي.

ويبقى التحدي الأكبر هو ضمان تحقيق العدالة دون التحيز لأي طرف، والعمل على حماية حقوق الإنسان في كل مكان. وعلى الشعوب والحكومات التصدي لهذه الدعوات لتحقيق عدالة حقيقية وفاءً لأرواح الشهداء ودماء الأبرياء.