كتب: محد حنفي الطهطاوي
قال شوقي علام مفتي الجمهورية ، إن المنطقة تمر بظَّرْفُ العَصيبُ الذي تَمرُّ بِهِ مِصْرُ والمِنطقةُ بِأَسْرِهَا، بَلْ والعَالَمُ كلُّه، بسببِ تَنامي ظاهرةِ الإرهابِ والتطرفِ نتيجةَ إصدارِ تِلكَ الفتاوَى المُضلِّلَةِ المُنحَرِفَةِ المُجَافيةِ للمَنهجِ الوسطيِّ الصحيحِ واتِّبَاعِها؛ مِمَّا كانَ له أسوأُ الأثرِ في انتشارِ العنفِ والفَوْضَى، وتدميرِ الأمنِ والسِّلْمِ، وتهديدِ الاستقرارِ والطمأنينةِ الَّتي تَنْعَمُ بِها المجتمعاتُ والأفرادُ.
وانطلقت اليوم أولي جلسات المؤتمر العالمي للإفتاء ، التي تعقده دور الهيئات في العالم ، بعنوان ” دور الفتوي في استقرار المجتمعات ”
وأضاف ” إذا كانَ العالمُ بِأَسْرِهِ يَنتفضُ الآنَ لمحاربةِ الإرهابِ فَإِنَّهُ يَنبغي عَلَى أهلِ العلمِ وحرَّاسِ الدِّينِ والعقيدةِ مِنْ أهلِ الفتوَى والاجتهادِ أنْ يَعلموا أنَّهمْ عَلى ثَغْرٍ عظيمٍ مِنْ ثُغُورِ الإسلامِ، أَلَا وَهُوَ ثَغْرُ تَصحيحِ المفاهيمِ المَغلوطةِ وَصَدِّ الأفكارِ المتطرفةِ ونشرِ قِيَمِ الدِّينِ الصحيحةِ السمحةِ، وَجِهادُنَا فِي مَيْدَانِ المعركةِ لا يَنفكُّ لحظةً عنْ جِهادِنَا في مَيْدَانِ الفقهِ والفِكْرِ.
وتابع ” وأمَّا على الصعيدِ العالميِّ والدَّوْلِيِّ فَلا شكَّ أنَّ الإرهابَ يَسعى لِفَرْضِ سَيطرتِهِ وبَسْطِ نُفُوذِهِ على عقولِ العامَّةِ والشبابِ عنْ طريقِ نشرِ الفَتاوَى المُضَلِّلَةِ والأفكارِ المَغْلوطةِ عَبْرَ وَسائلِ التَّواصُلِ الاجتماعيِّ وغَيْرِهَا مِنْ وسائلِ الإعلامِ المسموعةِ والمرئيةِ؛ مِمَّا كانَ لَهُ أسوأُ الأَثَرِ فِي نشرِ العُنْفِ والفوضَى وَتَهديدِ السِّلْمِ والأمنِ فِي كثير مِن بلادِنا”
وأكد إنه لولا تَكَاتُفُ الدُّوَلِ العربيةِ والإسلاميةِ فِي مُحَاصَرَةِ مَنَابعِ تَمويلِ الإرهابِ وَمَصَادِرِهِ لَتَغيَّرَ الواقعُ بِمَا لا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ. وَمِنْ ثَمَّ، فإنَّه يَنبغي علَى أهلِ العلمِ -وَأَخُصُّ مِنهمُ المَعْنِيِّينَ بِشَأنِ الفَتوى والاجتهادِ ومُتَابعةِ المستجداتِ- أنْ تَتوحَّدَ كَلِمَتُهمْ فِي شَأَنِ مُكافحةِ الإرهابِ ومُحَاصَرَةِ الفتاوى الشاذَّةِ المُضَلِّلَةِ المُهَدِّدَةِ لاستقرارِ وأمنِ المُجتمعاتِ.
وأشار إلي أنه لَا تَتوقَّفُ أهميةُ هَذا المؤتمرِ عِندَ حَدِّ قضيةِ مُكافحةِ الإرهابِ والتطرفِ، بلْ يَتَّسِعُ لِيَشملَ النَّظرَ فِيما تُسبِّبُهُ فَوضى انتشارِ الفتاوَى والآراءِ الشاذَّةِ وافتراضِ الصُّوَرِ النادرةِ البعيدةِ الَّتي لا تَمُتُّ لِلوَاقعِ بِصِلَةٍ مِن بَلْبَلَةٍ وَحَيْرَةٍ وَعَدمِ استقرارٍ فِي عقولِ الناسِ وقلوبِهم وحياتِهم، وَقدْ يُسْتَحْسَنُ التَّخيُّلُ وافتراضُ بَعْضِ الصورِ في مجالِ بَحْثِ الأحكامِ الفقهيةِ للدُّرْبَةِ وإِعمالِ القواعدِ الفقهيَّةِ والضوابطِ المرعيَّةِ، أمَّا الفُتْيَا فمجالُها مَا يشغلُ الناسَ بالفعلِ ويَمَسُّ حَياتَهم وَواقِعَهم، ووظيفةُ المُفتي أنْ يَجِدَ الحلولَ الناجِعَةَ لِمُشكلاتِ الناسِ وَفْقَ مقاصدِ الشرعِ الحنيفِ، لا أنْ يُشتِّتَ أذهانَهُمْ وَلا أنْ يَشْغَلَ عُقولَهم بِمَا لا يعودُ عليهمْ بنفعٍ في دِينِهمْ أوْ دُنياهم.
وَأضاف أنَّ قضيةَ الفتوى ومَا يتعلَّقُ بها مِنْ ضوابطَ وقواعدَ مِنْ أَهمِّ قضايا العصرِ التي يَجِبُ أنْ يَنْشَطَ لها أهلُ العِلْمِ والاجتهادِ؛ وذلكَ لِضَبْطِهَا وبيانِها، فإنَّ كثيرًا مِنَ المُتَصدِّرينَ لِهذا الأمرِ بِغَيْرِ حقٍّ لَم يُفرِّقوا بينَ الفتوى التي تَتغيَّرُ بِتَغيُّرِ الزمانِ والمكانِ والأحوالِ والأشخاصِ، وَبينَ الحُكْمِ الذي هو أَمْرٌ ثابتٌ بِنَاءً عَلى فَهْمٍ مُعَيَّنٍ للدليلِ الشرعيِّ وَفْقَ مَذهبِ المُجْتَهِدِ، ومِنْ ثَمَّ فَقَدْ أَحْدَثَ تَصدُّرُ غَيرِ العلماءِ وغَيْرِ المُؤهَّلِينَ اضطرابًا كبيرًا نَتَجَ عنه خَللٌ واضحٌ في منظومةِ الأمنِ والأمانِ، وأصبحَ السِّلْمُ العالميُّ مُهدَّدًا نتيجةَ التَّهوُّرِ والاندفاعِ والتَّشدُّدِ الَّذي اتَّخذَهُ البعضُ مَطِيَّةً لِتحقيقِ أغراضٍ سياسيةٍ بعيدةٍ تمامًا عنْ تحقيقِ مقاصدِ الشريعةِ السَّمْحَةِ الغرَّاءِ. وبِناءً عليه، فإنَّ مُؤتمرَكُمْ هذا تَنْعَقِدُ عليه آمالٌ كبيرةٌ فِي القيامِ بحركةٍ تصحيحيةٍ تُنِيرُ الطريقَ وتزرعُ مَعَالِمَ الهُدَى والرشادِ لِلْفتوَى العصريةِ المواكبةِ لِمَطالِبِ الحياةِ والإحياءِ والتحضُّرِ والاستقرارِ، وتتصدَّى لِفوضى الإفتاءِ بالوسائلِ الوِقَائيةِ والعلاجيةِ معًا، وتَضْبِطُ منظومةَ الفتوى ضَبْطًا مُحْكَمًا يَسدُّ المنافذَ على العابِثينَ ودُعاةِ الفوضى.
وقال إنَّ الفتوى هِيَ اسمٌ لِمَا يُصدِرُه الفقيهُ في نازلةٍ معينةٍ، وهيَ منصبٌ عظيمٌ جليلٌ استحقَّ صاحِبُه أنْ يكونَ مُوقِّعًا عنْ رَبِّ العالمينَ تباركَ وتعالى، وهيَ مَعْلَمٌ مِن معالمِ الإسلامِ ودرجةٌ عُليا رفيعةٌ مِن مراتبِ التفقُّهِ في الدينِ، يَبذلُ فيها الفقيهُ وُسْعَهُ لإيجادِ الحلولِ المناسبةِ لمشكلاتِ الناسِ ومعضلاتِ الحياةِ التي تتسارعُ حَرَكَتُها وتَتعقَّدُ مُشكلاتُها في كافَّةِ المجالاتِ تعقيدًا يستحيلُ مَعَهُ أنْ تَقِفَ رؤيةُ المفتي عندَ مَا سَطَّرَهُ الأسلافُ فِي زمانٍ غيرِ الزمانِ وواقعٍ غيرِ الواقعِ. وتَتمثَّلُ الإشكاليةُ التي يُواجِهُهَا المفتي دائمًا في أمرِ الفتوى، في أنَّه مُطَالَبٌ بِأَمْرَيْنِ لا غِنى عَنْ أَحَدِهِمَا بِالنسبةِ إلى الناسِ:
الأَوَّلُ: إيجادُ الحلولِ المناسبةِ لقضايا الناسِ ومشكلاتِهم الَّتي تَصِلُ أحيانًا إلى درجةٍ مِنَ التعقيدِ تحتاجُ إلى جرأةٍ وشجاعةٍ في الاجتهادِ وَفْقَ ضَوَابِطِ الفقهِ والشريعةِ الغرَّاءِ.
الثاني: أنْ تَنْسَجِمَ هذه الحلولُ انسجامًا تامًّا معَ التزامِ الناسِ وتَعَايُشِهِمْ وتَمَسُّكِهمْ بالشريعةِ الإسلاميةِ الغرَّاءِ، وَرَحِمَ اللهُ الإمامَ سُفيانَ الثوريَّ إذْ يقولُ: إِنَّما العِلْمُ الرخصةُ مِنَ الثِّقَةِ، وَأَمَّا التَّشديدُ فَيُحْسِنُهُ كُلُّ أَحَدٍ. ولا شَكَّ أنَّ هذا المَعْنَى مُضَمَّنٌ فِي قولِه تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقولِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم: «إِنَّ هذَا الدِّينَ يُسْرٌ».
وَلِهذا تمَّ اختيارُ موضوعِ هذا المؤتمرِ بِدقَّةٍ وعنايةٍ، إيمانًا مِنَّا بأهميةِ الفتوى وَدَوْرِها فِي استقرارِ المجتمعاتِ وَأَمْنِهَا، فَموضوعُ المؤتمرِ وَمَحاوِرُهُ خُطْوةٌ في غَايةِ الأهميةِ في منظومةِ تَجديدِ الخطابِ الدِّينيِّ، وَهُوَ بِدَوْرِهِ يَعْمَلُ عَلَى سَحْبِ البِسَاطِ مِنْ تَيَّاراتِ الإرهابِ والتطرفِ التي تُحاولُ الإفسادَ فِي الأرضِ مِنْ خلالِ نَشْرِ فَتاوى التَّطرُفِ والعُنفِ.
تَعْملُ الأمانةُ العامَّةُ لِدُورِ وهيئاتِ الإفتاءِ في العالمِ على إيجادِ منظومةٍ علميةٍ وتأهيليةٍ لِلْمُتَصَدِّرِينَ لِلفَتْوَى في العالمِ يكونُ مِنْ شأنِها تجديدُ منظومةِ الفتاوى التي يَستعينُ بها المسلمُ على العَيْشِ في وَطَنِهِ وزمانِه دونَ اضطرابٍ أوْ عنتٍ، كمَا تُرسِّخُ عِندَهُ قِيَمَ الأمنِ ومعالمِ الاستقرارِ.
وبناءً على ذلكَ وَضَعَتِ الأمانةُ خريطةَ مَحَاوِرِ المؤتمرِ الَّتي بُنِيَتْ عَلى دِرَاسةِ الفَتاوى الشاذَّةِ وَرَصْدِهَا، وتَعَقُّبِ الحركاتِ المتطرفةِ، وتقديمِ المُبَادَرَاتِ الإفتائيةِ التي تُمثِّلُ عُنصرًا مُهِمًّا مِن عناصرِ حَلِّ مُشكلاتِ انتشارِ الفتاوى الشاذَّةِ مِنْ غَيْرِ المُتخصِّصينَ أوْ مِنَ الجماعاتِ المتطرفةِ بِمَا يُساعِدُنَا على تأصيلِ الاستقرارِ المجتمعيِّ ونشرِ قِيَمِ التعايشِ السِّلْمِيِّ بينَ الناسِ. ونحنُ نَأْمُلُ مِنْ هَذا المؤتمرِ أنْ يعودَ بِالخيرِ والتنميةِ والرُّقِيِّ عَلى الأمةِ الإسلاميةِ.