كتب- محمد الغريب
قال مرصد الأزهر في تقرير له إنه مع انتشار الثورة التكنولوجية بما تشمله من تقنيات وتطبيقات ومنصات للتواصل الاجتماعي، سارع تنظيم “داعش” الإرهابي إلى استغلالها والاستفادة منها في نشر فكره المتطرف، وغزو عقول شبابنا بأفكاره الواهية؛ مما ساهم في “خلافته الزائفة” على الفضاء الافتراضي، رغم دحره وآلته الإعلامية على الأراضي التي كان يُسيطر عليها في العراق وسوريا.
وتابع المرصد أن المتأمل في استمرار تواجد هذا التنظيم على الشبكة العنكبوتية، سيجد أنه مرتبط بشكلٍ أو بآخر بسياسة إدارة منصات التواصل الاجتماعي التي تكفل حرية التعبير وتضمن سرية المعلومات والرسائل لكافة مستخدميها، بالإضافة إلى غزو التطبيقات المشفرة المنتشرة على الفضاء الإلكتروني والهواتف الذكية بكل بيت. علاوة على ندرة التشريعات والقوانين التي تُنظِّم وتُسيطر على تلك الفوضى العنكبوتية، لدرجة أنْ أصبحت الشبكة العنكبوتية منطقة يصعب فيها الفصل بين الحرية والأنشطة غير المشروعة، ومكانًا خارجًا عن نطاق تشريعات الدول المنفردة.
وكان من بين منصات التواصل التي استغلها تنظيم “داعش” الإرهابي، منصة “تويتر”، التي تسمح بنشر المعلومات وتبادل الرسائل من خلال إدراج “هاشتاج” مناسب، بل والوصول إلى المستخدمين غير المعروفين من خارج دائرة الاتصال الخاصة بالتنظيم، وكذلك خاصية التعليق على “تويتات” المستخدمين الآخرين ووسائل الإعلام؛ الأمر الذي أتاح فرصة ذهبية لعرض الحقائق بشكلٍ زائف؛ وبهذا يُحوِّل التنظيم لصالحه الأخبار واسعة الانتشار التي تُدينه أو تعمل على تقويض سمعته ومصداقيته.
وبالرغم من القضاء على العديد من القنوات الإعلامية الرسمية لتنظيم داعش الإرهابي؛ بسبب ما تكبده من خسائر في معاقله الرئيسية، اعتمد التنظيم على مؤيديه عبر الشبكة العنكبوتية والذين يُطلق عليهم “المتابعون”، وهم الذين يرابطون في العالم الافتراضي من أجل الحفاظ على مكتسبات التنظيم الافتراضية، وإعطاء دافع روحي ونفسي لأتباعه، وبث مقاطع الفيديو والمجلات الرقمية ومختلف الأنشطة الدعائية. إذ يُكرس هؤلاء “المتابعون” أنفسهم وجهدهم لمقاومة تعليق الحسابات، والتصدي لسياسات مكافحة “التطرّف الإلكتروني” التي تنتهجها كُبرى المنصات الإلكترونية؛ ما يجعل تلك الحسابات تجسيدًا فعليًا لمعنى “الرباط الرقمي”.
ومن خلال إجراء فحص لمؤيدي تنظيم “داعش” الإرهابي الناشطين عبر الشبكة العنكبوتية، يمكن تقسيمهم من خلال نهجهم وأنشطتهم عبر الإنترنت، فبالنسبة للنهج يمكن تمييز مجالين رئيسيين هما: حسابات ناشطة، وحسابات خاملة. الأولى تُشارك بشكل منتظم في مهام التنظيم الدعائية وتصميم مواد دعائية من تلقاء نفسها، بينما يقتصر دور الثانية على مشاركة “التويتات” والمحتويات المرفوعة من الحسابات الأخرى. وهذا ليس معناه أنهم غير متورطين في نشر إيديولوجية التنظيم الإرهابي، بل إنّ الكثير منهم يُعيدون نشر محتوى الآخرين بشكلٍ يومي بنسبة مرتفعة جدًا. أما من حيث النشاط، فهناك مجموعات فرعية مختلفة من الأفراد، كل منها لديها وظيفة محددة تحديدًا دقيقًا. فعلى سبيل المثال، يُشارك العاملون بالترجمة في نشر نسخ بعدة لغات أجنبية للمواد الدعائية كمقاطع الفيديو، وخطب تجنيد الأفراد الجدد. وكذلك هناك آخرون ممن عمدوا إلى إخفاء حسابهم، أو جعله حسابًا خاصًا حتى لا يتم تعليق حساباتهم. وهناك آخرون يقومون بإنشاء حسابات احتياطية، والبقاء على اتصال لتبادل المعلومات والمشورة.
إن “داعش” هو التنظيم الإرهابي الأول الذي يجعل من “الرِبَاط الرقْمي” استراتيجية في استمرار خلافته المزعومة عبر الفضاء الرقمي؛ ليجعل من نفسه علامة تجارية معروفة ومشتركة بأعلامه السوداء والرداء البرتقالي في أشرطة الدعاية التي تُظهر عمليات الإعدام والعنف العشوائي التي ينفذها التنظيم. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى التصدي لحملات التشويه الإعلامية التي يتعرض لها التنظيم الإرهابي، وخلق صورة ذات تأثير مزدوج قادرة على جذب دماء جديدة للتنظيم وإرهاب أعدائه، حيث يمدح “المتابعون” الخلافة المزعومة لـ”داعش” الإرهابي من خلال مقارنتها بنمط حياة الذين يعيشون خارج أرض الخلافة ـ وفق تصورهم المشوه ـ، والتي تصبح فرصة لانتقاد أشكال الديمقراطية التي تمارسها الحكومات؛ لاستنادها إلى مبادئ غير إسلامية! وبالتالي “شيطانية” حسب زعمهم!
فضلًا عن أنّ الشبكة العنكبوتية تزيد من نطاق وقوة الرسالة الدعائية؛ لأنه يتم تخصيصها وإعادة تفسيرها من قبل المستخدمين بطرق تجعلها أكثر جاذبية. ولا يتوقف هؤلاء “المؤيدون”، في بعض الحالات، عن الدعم العام لدعوة داعش الإرهابي، ولكنهم ينخرطون في المشاركة بفعالية أكبر في مشروع الخلافة المزعوم، ويتواصلون مع من يُجندونهم لمساعدتهم في الهجرة إلى مناطق نفوذ التنظيم الإرهابي، أو التخطيط لهجمات إرهابية في بلادهم.
مما سبق يتضح أنّ تنظيم “داعش” الإرهابي يحاول أن يتكيّف مع الأوضاع الراهنة، ويصمم على تواجده باستمرار عبر الشبكة العنكبوتية نظرًا لأهميتها، من خلال خطاب يستهدف التأثير بكافة الوسائل المرئية، والمقروءة، والمسموعة، في عواطف الشباب ومشاعرهم؛ لأنه الطريق الأكثر فاعلية في الحصول على أدمغتهم، ومن ثَمَّ غسلها؛ لذا يجب على كافة مؤسسات الدول التكاتف من أجل توفير منصات للخطاب البديل يكشف خطورة التطرف، ويقدم بدائل، وحلول لمشاكل الشباب، لا سيّما الشباب المتخبط، والباحث عن حلول على الشبكة العنكبوتية؛ ولتحقيق ذلك يجب الاستعانة بمتخصصين يكونون على دراية تامة بمشاكل الشباب، ولديهم القدرة على التواصل معهم بلغة سهلة، ومبسطة. هذه المنصات الإلكترونية، والإعلامية يجب أن تعتمد على كافة الوسائل، والتقنيات التكنولوجية الحديثة؛ لترسيخ القيم الإنسانية، وثقافة الحوار، والتسامح والاختلاف.
وقد أشار مرصد الأزهر من قبل في مقال بعنوان «سُبل مكافحة التطرف الالكتروني»، نُشر بتاريخ ١٥ ديسمبر ٢٠٢٠م، إلى ضرورة أن تتفاعل مؤسسات الدولة مع الثورة التكنولوجية من أجل مواجهة هذه الظواهر. وعلى رأس هذه المؤسسات، يلعب الأزهر الشريف دورًا بالغ الأهمية، إذ أنه إحدى المؤسسات المهمة التي تعمل على تفنيد الفكر المتطرف وتعزيز الوسطية لحماية الشباب من براثن تلك المنصات الإليكترونية التي أصبحت تصل بكل سهولة إلى الأطفال والشباب وتستقطبهم لتبني أفكار هدامة تضر بالمجتمعات.
ولهذا الهدف، أنشئ المرصد، وهو واحد من المراكز التي دشنها الأزهر الشريف من أجل تتبع تلك الأفكار على الشبكة العنكبوتية وتوعية الشباب من الوقوع فيها بكل السبل التكنولوجية المتاحة. أضف إلى ذلك أن الأزهر الشريف قد قام بتدشين مركز الفتوى الإليكترونية، الذي يهدف إلى مكافحة فوضى الفتاوى وتقديم فتاوى موثوقة للشباب الباحث عن معرفة الحقيقة، ومن بينها أكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة والوعاظ والتي تلعب دورًا كبيرًا في تجديد الخطاب الديني وفي إعداد داعية معاصر متمكن.