(الجزء الأول)
إذا كانت الدراما الإنجليزية قد افرزت في العقد الاخر رواية من أكثر الروايات انتشاراً وتأثيرا على مستوي العالم متمثلة في القصة الشهيرة “ألس في بلاد العجائب” للكاتب لويس كارول واصفاً فيها تلك البنت التي هبطت بها الصدفة الي أعماق بلاد العجائب ليعيش فيها القراء مغامرات خيالية عن ارض العجائب،
وبيقين نعرف انها في النهاية مجرد قصة خيالية، وانطلاقا من هذا اليقين يتزايد يقيني بشكل كبير بأني كمصري أعيش في ارض العجائب،
وبالطبع كل من يقرأ هذا العنوان يعتبرني اما مستهزئ او ساذج تملئه شيفونيه عميقة، ولكني سأصف لكم المعني الحقيقي الذي يكمن في شعب جبار يعيش في ارض العجائب وهي حقيقة ليست بخيال بمعزل عن الواقع كما كان يصف الكاتب الانجليزي لويس كارول
بل هي قصة شعب عاش طيلة عمره يشهد على هذه الأرض العجائب والمعجزات التي كانت تحدث فعليا امامه علي ارض الواقع دون أي مبالغة في التقدير او خيال في الوصف، انه ذلك العمر الذي يقترب من ان يكون متوازيا مع عمر هذا الكون البديع تلك المعجزات،
فالمصري منذ بداية عمر الكون وحتى العصر الحديث دائما ما يثبت انه شعباً لكي يقهره يتوجب عليه فعل مستحيلات تقترب من عدد المستحيلات في هذا الكون الكبير…
وذلك يحدث بالطبع نتيجة لتراكمات الحضارات التي عبرت على هذا الشعب العظيم الذي لم يتبع ابدا أي دخيل ليتغير، بل كان العكس تماما هو ما يحدث فلهذا الشعب القدرة على “تمصير” أي دخيل خارجي لذوب فيصبح شيئا فشيئاً جزء من النسيج المعقد الذي يستحيل استنتاج ردود افعاله او أوقات غضبه او فرحه،
ان الباحثين في علم الاجتماع حينما عجزوا عن وضع تصنيف اجتماعي لمصر وعلاقتها مع المصريين فأطلقوا عليه ان تكوين هذا النسيج المعقد اشبه بمراحل تكوين الجبال الراسخة التي تعيش ابد الدهر بالرغم من كل عوامل التآكل والتحطيم المتعمد الذي يوجه اليه،
وإذا استطعنا التسليم بأن الأساس الاجتماعي للبشرية والأدوات التكوينية الأساسية له هي ” الدين -السلاح -المال ”
فعلينا ان نعترف بأن المصري هو اول من اكتشف الوجود الإلهي وهو اول من اكتشف النظرية الفطرية للبشر بالثواب والعقاب والحياة الأخرى لتستقيم الأمور في الدنيا، وهو اول من دعا لتوحيد الاله في إله واحد ورمزه بالشمس في طريق فلسفي معقد للوصول الي بارئ الكون سبحانه وتعالي،
وهو اول من تجاوب ايجابياً مع الأنبياء بداية من نبي الله ادريس الذي لقبوه بـ “هرمس الهرامسه” وحتى رسول الله محمد (ص) خاتم الأنبياء والمرسلين فكان دائما ما يسعي بفطرته السديدة لكل ما يقربه الي الله عز وجل، فكان هو المبدع الأول لتسهيل وتيسير كل نواحي الحياة بشكل ليس مقتصرا على نفسه فحسب بل كان مصدراً لهذا التيسير الي البشرية كافة،
فالحضارة الفرعونية ليست مثلاً على اعجاز هندسي وبنائي استمرت الغازه ما تعاقبت القرون والاعوام فحسب بل انها ثقافة، ثقافة رسخها المصري وكان له السبق في ابتداعها وتأصيلها داخل الشخصية المصرية على طول الخط الزمني الذي تعاقب على الشخصية المصرية،
فكان اول من أنشأ النظم الدستورية ونظام الحكم بتدرجاته العديدة وأول من درس واكتشف تدرج الطبقات الاجتماعية وكيفية تطبيق اولي نظم إدارة الازمات في الكون فكان بالضبط كالشعار المتعارف عليه الان في العصر الحديث ” يد تبني ويد تحمل السلاح لتحفظ الامن”داخليا وخارجياً بكل تأكيد فالجيش المصري هو اول جيش ذا نظم واليات ورتب عسكرية وتدرجات للقادة وحتى للجند حتى يكون هناك أقصى استفادة من القوات المصرية لحفظ الامن المصري فقد وصلت حدود الدولة المصرية الي أقصى ما يكون غربا وشرقا وشمالا وجنوباً.
لحماية الشخصية المصرية الاعتبارية الاستثنائية والغير عادية من عزو أي حاقدين او طامعين في الثروات التي انتجها واكتشفها المصري القديم واني اظن ان كل الغزوات التي نظمت ضد مصر كانت أولا تريد محو الشخصية المصرية الذي اتمسك بان القبها بالشخصية الاعتبارية الاستثنائية الغير عادية أولا وثانياً نهب الخيرات التي حباها الله على المصريين وسبب عرقهم ودمائهم سبباً في انتاجها وخروجها للنور،
وفي نظري ان الله تعالي حينما حبي الله الشخصية المصرية نعمة كبري وهي “مصر” وخيراتها الكثيفة العديدة التي اكتشفناها وما لم نكتشف بعد، اعطي أهلها نعمة كبري وهي اكتشاف جديد للنفس البشرية لم يسبقها أحد قبلاً اكتشافها والذي اود ان أطلق عليه مصطلحاً جديد وهو (التجييش الحفظي) او باللغة الإنجليزية (Mobilization for security)
أي التجييش من اجل الامن ومن اجل الحفظ على بقاء المقدرات والمكتسبات البناءة كما هي وهو لمن يراه شيئا عاديا أقول له “لا” وبشدة لان الانسان بطبيعته الغاب التي خلقت معه قديماً حتى يتأقلم مع الطبيعة المتوحشة التي كانت تحيط به في مطلع السنين الاولي من عمر الانسان على الأرض كان لابد له من ان يكتشف مفهوم الوحشية حتى يتعامل مع الوحوش الضارية التي كانت تحيط به،
وكان عليه ان يصنع السلاح حتى يحمي نفسه ومن معه في هذه البيئة القاصية التي كانت سببا في ارتفاع معدل التفكير البشري بشكل سريع ومخيف في نفس الوقت، واكتشف انه يستطيع ان يستخدم هذا السلاح في اصطياد الحيوانات المتعددة ليأكل لكي تتنوع مصادر الطعام معه وحتى إذا نفذ شيئاً من حوله لن يضطر ان يبحث كثيرا عنه مرة اخري فيتعرض النوع للخطر، فكان التنوع في الطعام اكتشاف من اجل استمرار الحياة…
والي هنا ننتهي من الجزء الاول في رحلتنا داخل ارض العجائب مصر!
بقلم : احمد الجويلي