كتب – ناهد صبحى
قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، إن القدس الشرقية هى عاصمة الدولة الفلسطينية، وهى جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، مؤكدا أن هذه حقائق لا يُغيرها قرار مُجحف، ولا ينتقص من شرعيتها إجراء باطل.
وأكد أبو الغيط، خلال الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب حول القدس، أن القرار الذى اتخذته الإدارة الأمريكية يوم 6 ديسمبر الحالى بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها، هو قرار مُستنكر ومرفوض ولا يُمكن تبريره تحت أى ذريعة، أو بأى منطق، وأنه قرار خطير فى تبعاته، سيئ فى مضمونه وشكله، ومُجحف بالحقوق العربية، ومخالف للقانون الدولى وللقرارات الأممية. وأنه قرار يُدين الدولة التى اتخذته، والإدارة التى مررته، ويضع علامة استفهام حول دورها ومدى التزامها بتعزيز السلام والاستقرار فى المنطقة، بل فى العالم بأسره.
ووضع أبو الغيط مجموعة من النقاط أمام وزراء الخارجية العرب، والرأى العام العربى الذى يُتابع بقلق التطورات الأخيرة:
أولا: إن هذا القرار الأمريكى، الذى تحركه فى المقام الأول أغراض داخلية واضحة هو قرار باطل.. وما يبنى عليه باطل بالضرورة.. وهو لا يرتب أية آثار على الوضعية القانونية للقدس، إذ إن هذه الوضعية ثابتة بفعل قراراتٍ أممية على رأسها قرار مجلس الأمن رقم 478 لعام 1980 الذى يرفض ضم إسرائيل للمدينة.. وآخرها القرار 2334 لعام 2016 الذى يؤكد عدم الاعتراف بأية تغييرات تُجريها إسرائيل على حدود 1967 بغير طريق المفاوضات.
ووضعية القدس محمية بمبادئ ثابتة فى ميثاق الأمم المتحدة الذى لا يُجيز الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة أو قيام القوة القائمة بالاحتلال بضم الأراضى التى تقع تحت سيطرتها.. القدس فى نظر القانون الدولى هى أرضٌ محتلة لا سيادة لدولة الاحتلال عليها، واعتراف الولايات المتحدة بهذه السيادة ونقلها لسفارتها إلى المدينة لا يُغير من هذه الحقيقة شيئاً، ولا ينشئ أى أثر قانونى فى تغيير وضع القدس كأرض محتلة.. وإلا كانت القوة هى التى تصنع الحق.. وليس الحق فوق القوة كما هو ثابت فى كل الشرائع الأخلاقية والأديان السماوية والمبادئ القانونية.
ثانيا: قرار الإدارة الأمريكية هو، فى جوهره ومضمونه، شرعنةٌ للاحتلال واعتراف بجواز فرض الأمر الواقع بالقوة، وإهدار للشرعية الدولية ومبادئ العدالة.. وبالتالى فهو يضع من اتخذه فى حال تناقض صارخ مع الإرادة الجماعية للمجتمع الدولى.
ثالثا: إن هذا القرار يقوض الثقة العربية فى الطرف الأمريكى كراعٍ تاريخى لعملية التسوية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل ويدفع الجانب الفلسطينى، ومن ورائه الدول العربية، لإعادة النظر فى محددات هذه العملية وغاياتها، ومدى تحقيقها لأهدافها من إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
رابعا: لقد كشف رد الفعل العالمى على قرار الإدارة الأمريكية، المُدان والمرفوض، مدى عُزلة الموقفين الأمريكى والإسرائيلي.. لقد تداعت دول العالم من الغرب والشرق لرفض هذا القرار وإدانته وتبيان أثره السلبى على الاستقرار فى المنطقة وعلى فرص الحل السلمى القائم على رؤية الدولتين.. وإننا إذ نُقدر هذه المواقف الدولية المُساندة ونثمنها، فإننا ندعو كل الشعوب المُحبة للسلام لأن ترفع صوتها صريحاً بلا مواربة برفض قرار الرئيس الأمريكي.. ونؤكد أن الرد العملى على هذا القرار المُجحف وغير القانونى ينبغى أن يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية المُستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.. لذلك فإننى أحث الدول التى لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية القيام بذلك فى أقرب فرصة.. فهذا الاعتراف يكتسب اليوم أهمية أكثر من أى وقت مضى، سواء فى دعم الموقف الفلسطينى أو من باب الانتصار للشرعية الدولية التى انتهكها القرار الأمريكي.
إن الموقف من قضية القدس يجب أن يظل معياراً حاكماً فى علاقة الدول العربية بالدول الأخرى.. لذلك فإننا نتطلع لالتزام كل الدول بعدم نقل سفاراتها إلى مدينة القدس المحتلة.
خامسا: إن الغضب الشعبى الفلسطينى والعربى الذى نلمسه جميعاً مفهوم بل ومتوقع.. فالقدس، بالنسبة للأمتين العربية والإسلامية، ليست موضوعاً سياسياً فحسب، وإنما هى مكون رئيسى فى الوجدان الدينى المسلم والمسيحى، وركنٌ ركين فى الهوية القومية والثقافية.. ويخطئ من يظن أن العرب مع انشغالهم بما يتعرضون له من أزمات وتهديدات قد يضعف دفاعهم عن قضيتهم المركزية، أو يقل اهتمامهم بالمسألة الفلسطينية.. هذه قراءةٌ خاطئة لا تفهم اتجاهات الرأى العام العربى على نحو صحيح.. إن القضية الفلسطينية تظل محط اهتمام العرب من المحيط إلى الخليج، بل هى قضيتهم الأولى التى يجمعون عليها إجماعاً كاملاً، ويتفقون على عدالتها اتفاقاً أكيداً، ويهبون لنصرتها بكل سبيل.
وقال أبو الغيط إن هذه اللحظة الفارقة تفرض على العرب كافة، وعلى الفلسطينيين بالأخص، تنحية الخلافات والانقسامات جانباً والعمل المنسق الجاد لخدمة القضية المركزية